logo-mini

التبرع بالأعضاء : بين المشروعية الدينية و الضرورة المجتمعية

Partager

التبرع بالأعضاء : بين المشروعية الدينية و الضرورة المجتمعية

لا شك أن التبرع بالأعضاء يعد عملا إنسانيا أصيلا و نبيلا يفرضه حس التضامن داخل المجتمع و حاجة ملحة بهدف منح أمل في الحياة لمرضى باتت أعضاء المتبرعين فرصتهم الوحيدة للبقاء على قيد الحياة. لذا أضحت عملية التبرع بالأعضاء ضرورة مجتمعية، وجب على مختلف مكونات و أطياف المجتمع المغربي المساهمة و الانخراط في هذه العملية التي تعكس مظاهر التضامن والسخاء.

و إلى ذلك يعد موضوع التبرع بالأعضاء البشرية، مثار جدل وتساؤلات عدة من لدن المواطنين، لا سيما حول مدى مشروعيته الدينية، سواء في ضوء دعوة النصوص الدينية إلى إحياء النفس البشرية، أو حثها على حفظ كرامة الإنسان حيا وميتا.

و إلى جانب المشروعية الدينية للتبرع بالأعضاء، يثير هذا الموضوع العديد من القضايا الأخلاقية، المرتبطة بالكيفية التي يتم بها تنظيم عملية التبرع و الاستفادة من أعضاء المتبرعين، و كذا القوانين المؤطرة لهذه العملية، للتصدي  لكل ما من شأنه التلاعب و الاتجار بالأعضاء البشرية.

التبرع بالأعضاء : المشروعية الدينية

و في هذا الشأن قال الباحث في الأديان رشيد أيلال: « لا توجد آية قرآنية واحدة تحرم مسألة التبرع بالأعضاء »، مؤكدا أن التبرع بالأعضاء هو إحياء للناس مذكرا بهذا الخصوص بما ورد في الآية 32 من سورة المائدة:  » وَ مَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا « ، معتبرا أن الانسان إذا تبرع بأعضائه (مثل القلب أو الكلية أو الرئة أو غيرها) و استفاد منها إما العلم أو أحد الأشخاص المحتاجين إليها لتعويض عضو تالف لديه فإن ذلك يعد صدقة، و إنقاذ للمريض من موت محقق.

و تابع أيلال قائلا في حديثه ل(لوكس راديو): « إن القاعدة الأصولية تقول: الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يثبت نص قطعي الدلالة و الثبوت يحرمها، و أنه لا يوجد أي نص صريح يحرم التبرع بالأعضاء »، معتبرا أن « أي تحريم لهذا الأمر يعد تدخلا في اختصاصات ليست للبشر، لأن الله هو الذي يحرم »، مردفا أن هذا ما يسميه الأصوليون ب »استصحاب البراءة الأصلية « ، فكل شيء حلال ما لم يرد نص في تحريمه.

و قال صاحب كتاب « صحيح البخاري : نهاية أسطورة « ، بخصوص من يرفضون فكرة التبرع بالأعضاء من منطلق أن جسد الإنسان ملك لله، « إن الله عز و جل، نعم خلقنا، لكن نحن المسؤولين عن أعضائنا »، مستدلا بالآية 36 من سورة الإسراء  » وَ لَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا »، مردفا: « و بالتالي أجسادنا ملك لنا نحن و سنسأل عنها لأن مسؤوليتنا عن هذه الأجساد ثابتة. و هل سخرناها للخير أم للشر ».

و لفت الباحث في الأديان إلى أنه « لا يمكن أن يميل الشخص من حيث رؤية معينة أو إيديولوجية معينة و يحمل الحكم لله، لأنه لا تحريم إلا بنص و القرآن يقول في الآية 169 من سورة البقرة: (وَ أَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) »، معتبرا أن من يحاول نسب تحريم التبرع بالأعضاء إلى الله، هو تطاول على حق من حقوق الله. و هو تحريم أمور معينة.

و من جانبه يرى مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي بوجدة في تصريحات سابقة، أن عدم التبرع بالأعضاء، يعد حالة ثقافية غير مستقيمة لدى الناس، كونهم لا يشعرون بحاجة الناس إليهم، مضيفا أن الإنسان إذا احتاج إلى أحد الأعضاء فإنه لا تكون لديه أي حواجز و قد يبحث عنه داخل الوطن و خارجه، و في المقابل إذا دعي هو إلى التبرع بأعضائه فإنه يجد ذرائع دينية، و هذا ما وصفه بنحمزة بأنه باطل.

و أوضح بنحمزة أن امتناع الأشخاص عن التبرع بالأعضاء، يعد بخلا و اختلالا و أمرا غير منطقي و لا يتناسب مع خلق الإنسان المسلم، مؤكدا أن عملية التبرع بالأعضاء كانت موجودة على مر التاريخ، داعيا المسلمين إلى أن يكونوا بمستوى الشعوب الأخرى.

و أبرز المتحدث ذاته أن العلماء أفتوا في مؤتمرات كثيرة و متعددة في موضوع التبرع بالأعضاء منذ سنة 1952، و من ضمن من شاركوا في هذه الفتاوى، عبد الله كنون في مؤتمر ماليزيا، مؤكدا أن جميع المجامع الفقهية تبيح التبرع بالأعضاء لكن بشروط، و منها ألا تتم المتاجرة في الأعضاء و ذلك بأن لا تكون موضوع للبيع و الشراء، و كذا ألا تشكل هذه العملية خطرا حقيقيا على المتبرع، و أن تتم في وضوح.

التبرع بالأعضاء : ضرورة مجتمعية

في ظل النقص الشديد الذي يعاني منه المغرب في عدد المتبرعين بالأعضاء، و أمام العدد الكبير و المتزايد للمحتاجين إلى زراعة الأعضاء، تظهر أهمية التضامن و السخاء المجتمعي، إذ بات موضوع التبرع بالأعضاء ضرورة مجتمعية و حاجة ملحة تقتضي حسا تضامنيا و إيثارا عاليا من مختلف شرائح المجتمع.

و بلغة الأرقام، قدمت جمعية « كلي »، بمناسبة اليوم العالمي للتبرع بالأعضاء و زرعها، الذي يصادف 17 أكتوبر من كل سنة، أرقاما مثيرة للقلق حول عمليات زرع الكلي. فمن أول عملية لزرع الكلي من متبرع حي أجريت سنة 1986 حتى الآن، تم إجراء 630 عملية زرع كلي فقط، ضمنها 60 عملية زرع كلي في حالة وفاة دماغية.

و بحسب الجمعية، فإن ذلك يمثل حوالي 17 عملية زرع لكل مليون نسمة منذ عام 1990، و هي أرقام بسيطة مقارنة بالطلب.

ووفق إحصائيات لوزارة الصحة أعلنت عنها سنة 2019، فإن المراكز الاستشفائية المغربية قامت بإجراء 3927 عملية زرع أعضاء فقط، منها 90 عملية زرع من متبرعين متوفين دماغيا.

و يظل العدد المحتمل للمتبرعين بالأعضاء ضعيفا إذ لم يتجاوز منذ سنة 1989، حوالي 1100 متبرع، أزيد من 700 منهم في الدار البيضاء، الذين وثقوا خطيا خطوتهم في سجلات التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، المتاحة للمتطوعين على المستوى المحاكم الابتدائية المختلفة بالمملكة.

و من جانبها قالت الدكتورة حسناء سومان ، مسؤولة وحدة التنسيق و النهوض بزرع الأنسجة البشرية بالمركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش، في حديثها لوكالة المغرب العربي للأنباء: إن « هذه الأرقام ضئيلة بالمقارنة مع الطلب المتزايد » على هذه الأعضاء، مبرزة أن « حياة آلاف المرضى معرضة للخطر و أن عددا منهم يموتون و هم في قوائم الانتظار الخاصة بزرع الأعضاء ».

التبرع بالأعضاء : الإطار القانوني

و على الصعيد القانوني، وضع المغرب ترسانة قانونية تؤطر منظومة التبرع وزرع الأعضاء و الأنسجة من خلال القانون رقم 16-98، الذي يتميز بتكثيفه للحماية القانونية للمُتبرِّع، حيث حسم في كل ما من شأنه التلاعب و الاتجار بالأعضاء البشرية.

و في هذا السياق يرى المحامي المعتمد لدى محكمة النقض، حسين رشيد، في حديثه لوكالة المغرب العربي للأنباء أن القانون رقم 16.98 يؤطر بشكل واضح عملية التبرع بالأعضاء و الأنسجة البشرية و استئصالها و زرعها. و يهدف إلى تعزيز الحماية القانونية للمتبرع، و كذا تجنب أي خطر من الاحتيال و الاتجار في الأعضاء و الأنسجة البشرية، و ذلك وفقا للمبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية بشأن زرع الخلايا والأنسجة و الأعضاء البشرية.

و يتحدد هذا القانون الذي صدر بتاريخ 25 غشت 1999 بغرض تنظيم عملية التبرع بالأعضاء و زراعتها بالمغرب، في نوعين من التبرع، الأول يتعلق بإخراج أعضاء من شخص حي، و الثاني إخراج أعضاء من شخص متوفى.

و بالنسبة للتبرع في الحالة الأولى يكون إما للأصول، أو الفروع، أو الإخوة و الأخوات أو للأخوال و الخالات أو للأعمام و العمات، أو الأولاد، بالإضافة إلى الأزواج بعد مرور سنة من الزواج.

و في ما يخص الحالة الثانية فإنها تشمل الأشخاص الذين عبروا عن الرغبة في التبرع بأعضائهم قيد حياتهم، أو من لم يسبق أن عبر عن رفضه لأخذ أعضائه، فيعتبر موافقا موافقة ضمنية، عندها يمكن أخذ أعضائه إذا لم يعترض الزوج أو الأصول أو الفروع.

و يرى المحامي المعتمد لدى محكمة النقض، حسين رشيد، أنه وفقا للقانون 16.98، فإنه يجوز لكل شخص راشد يتمتع بكامل أهليته، أن يعبر وهو على قيـد الحياة عن إرادته ترخيص أو منع أخذ أعضائه أو أعضاء معينة منه بعد مماته، لذلك، مؤكدا أن التبرع بالأعضاء و الأنسجة البشرية يظل مسألة إرادة و قناعات شخصية لكل فرد. لافتا إلى أنه يتعين أن تقتنع المحكمة بالإرادة الحرة و المستنيرة للمتبرع المحتمل، و أن تتأكد من أنه يتم تنفيذ الوصية بشكل مجاني و لصالح مؤسسة مرخص لها تلقي التبرعات بالأعضاء دون غيرها.

و أردف قائلا « لا يمكن للمتبرع و أفراد أسرته معرفة هوية المتلقي و لا يمكن الكشف عن أي معلومات من المحتمل أن تسمح بتحديد هوية هذا المتبرع أو المتلقي »، لافتا إلى أنه من الضروري أن يكون المتبرع على اطلاع كامل بالمخاطر المرتبطة بالاستئصال و عواقبها المحتملة.


Poster un Commentaire

onze + douze =

Ce site utilise Akismet pour réduire les indésirables. En savoir plus sur comment les données de vos commentaires sont utilisées.