logo-mini

جائحة كورونا : بين إقحام الدين و اختصاص العلم

Partager

جائحة كورونا : بين إقحام الدين و اختصاص العلم

منذ ظهور فيروس كورونا المستجد في الصين و اكتساحه في ما بعد لشتى بقاع العالم، و ما خلفه و لا يزال من مآسي إنسانية على مختلف الأصعدة و المجالات، ما فتئ عدد من رجال الدين يقحمون الدين في تفسيراتهم للفيروس، إذ ينهلون من الموروث الديني من أجل تقديم تفسيرات و تأويلات غيبية لهذا الوباء، حيث اعتبروه تارة عقابا إلهيا و جندا من جنود الله  لقهر الكافرين، و ابتلاء إلهيا لتأديب المؤمنين و تمحيص قلوبهم، و تارة أخرى قالوا إن هذا الوباء من علامات الساعة و منذر بفناء البشرية.

و من جهة أخرى طفت على السطح بحوث علمية و تجارب مخبرية، و اصطف العلماء في الخطوط الأمامية في حرب مزدوجة ضد وباء كورونا و ضد الزمن لإيجاد لقاح مضاد للفيروس، في وقت جندت عدة دول علماءها و سخرت ميزانيات ضخمة للمختبرات و الباحثين من أجل فهم طبيعة الفيروس و تحديد خصائصه من أجل انقاذ البشرية من هذا الوباء الفتاك.

فيروس كورونا ظاهرة كونية يختص بها العلم

و ردا على رجال الدين الذي يقحمون الدين في تفسير جائحة كورونا، قال الباحث في الشأن الديني عبد الوهاب رفيقي المعروف بأبي حفص، إن فيروس كورونا المستجد هو ظاهرة كونية علمية و أحد المجالات و الأحداث الكبرى التي يختص بها العلم و لا علاقة لغير العلم بها.

و أضاف أبو حفص في شريط فيديو منشور عبر صفحته الرسمية على موقع فيسبوك، أن العلم هو الجهة الوحيدة التي تستطيع أن تحدد أصل الوباء و كيف انتشر، و ما الإجراءات التي يجب اتخاذها لمحاصرته، مشيرا إلى أن العلم وحده القادر على أن يقدم العلاج و اللقاح لفيروس كورونا المستجد.

و اعتبر الباحث في الشأن الديني، أن أساس المشكل يتجلى في إقحام الدين في مثل هذه المجالات، و تصور كثير من رجالات الدين بأن الدين يمكن أن يجيب عن كل الأسئلة بما في ذلك الأسئلة العلمية مما أسقط الدين في مآزق كبرى، مضيفا أن الدين نفسه لم يقل إنه جاء لتفسير هذه الظواهر.

و أعرب عن استغرابه ممن يدافع باستماتة عن أشياء ورثها عن آبائه و أجداده و لم يبذل أي جهد في حياته من أجل أن تكون قناعاته راسخة و حقيقية، داعيا إلى التخلص من الكثير من الخرافات و الأساطير، معتبرا أنها في أغلبها موروثة عن قاعدة  » إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ « .

و أبرز رفيقي أنه من الإيجابيات المستفادة من وباء كورونا، أن كثيرا ممن يتحدثون باسم الدين و كانوا يروجون لتلك الأساطير و الخرافات التي أرجعت أصل الفيروس إلى الغضب و الانتقام و العقاب الإلهي، و ممن كانوا يعتبرون أن إغلاق المساجد قرار خاطئ، تغيرت خطاباتهم بمرور الوقت، و أصبحوا اليوم يوجهون الناس إلى الالتزام بتعليمات الحجر الصحي.

و أضاف أن « الناس يبحثون عن العلاج لفيروس كورونا في المختبرات الطبية و عند العلماء و المختصين، و ليس عند رجال الدين أو في دكاكين الرقية الشرعية أو عند المروجين للوصفات البدائية التقليدية أو عند محترفي التجارة في الدين و توظيفه لمصالحهم الخاصة، بمحاولة إقاحمه في كل شيء لأجل كسب تعاطف « المغفلين » و ذوي الوعي القاصر.

و يرى الباحث في الشأن الديني، أن وباء كورونا كشف عن كثير من الخرافات و الأساطير، مؤكدا أنه على المستوى الديني فكل الروايات الدينية التي قدمت حول الفيروس قد تلاشت، و من ضمنها القول بأن الفيروس عقاب و غضب و ابتلاء و انتقام من الله، معتبرا هذا الأمر إحدى الإيجابيات المستفادة من جائحة كورونا.

فيروس كورونا من علامات الساعة

و من مظاهر إقحام الدين في تفسير جائحة فيروس كورونا المستجد، هو قول الداعية السعودي صالح المغماسي إمام و خطيب مسجد قباء في المدينة المنورة، « إنه تمت أحاديث كنا نقرؤها و لا نعرف تأويلها »، و تابع قائلا : « إن فيروس كورونا قرب كثيرا من المفاهيم، و قد جاء في بعض الأحاديث أنه من أشراط الساعة أن ريحا باردة تخرج من اليمن فتقبض المؤمنين، فكان الإنسان يقول كيف الريح تقبض أرواح المؤمنين؟ ».

و أضاف المغماسي قائلا خلال حديثه في برنامج  تلفزيوني : « الله عز و جل يبتلي العباد و يبتلي الناس جميعا مؤمنهم و كافرهم بأقدار عدة، بعضها تكون خاصة بفرد و بعضها بجماعة، و بعضها بأمة و بعضها بمنطقة، و بعضها عام، و فيروس كورونا، لا يقول أحد بأنه مختص بعرق دون عرق و لا بملة دون ملة و لا بأرض دون أرض و إنما ظهرت فيه قدرة الله الواحد القهار. »

و في هذا السياق يرى رجل الدين الإيراني البارز، علي رضا بناهيان، الذي يعد من مقربي المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، أن هناك صلات لانتشار هذا الوباء في العالم مع قرب القيامة وظهور الإمام المهدي المنتظر، و الذي يعتبره الشيعة أخر الزمن.

و نقلت و كالة « تسنيم » الإيرانية للأنباء، عن بناهيان قوله : « وفق الروايات فإن انتشار الأمراض و الموت و المشاكل الاقتصادية في العالم مقدمة لظهور الإمام المهدي الغائب »، حسب تقارير إعلامية.

و في المقابل شدد رشيد أيلال الباحث في الأديان على أن « هذا الارتباط بالموت و عودة المهدي المنتظر و المسيح الدجال و الريح الحمراء التي تأتي على أخيار الناس و تترك شرار الناس و تقوم الساعة على شرار الناس، ينبعث عندما يتأخر اكتشاف لقاح أو دواء لفيروس كورونا ».

و أضاف صاحب كتاب « صحيح البخاري : نهاية أسطورة »، في حديثه ل(لوكس راديو)، « أن منطق رجال الدين مبني على الشك و الخوف المرضي من خلال كثرة الحديث عن الموت و عن أشراط  الساعة و عن قيام الساعة، مضيفا أنهم : « منذ وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم و هم ينتظرون الهلاك و الموت ».

و أردف قائلا : « إنهم كانوا يسألون الرسول الكريم في معظم الحالات عن قيام الساعة حسب الأحاديث التي تشكل العقل الجمعي الديني لدى المسلمين »، مشيرا في هذا الشأن إلى وجود أحاديث كثيرة حول قيام الساعة و منها ما ورد في صحيح مسلم، عن أن جبريل سأل النبي (ص) متى الساعة؟ فقال (ص): « ما المسؤول بأعلم من السائل، قال فأخبرني عن أماراتها، قال : إذا ولدت الأمة ربتها، و أن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء، يتطاولون في البنيان ».

و لفت أيلال إلى أن « هذه النظرة التشاؤمية لرجال الدين تجعلهم يقعون في أزمة نفسية خطيرة و هي التي تجعلهم في ترقب دائم، فأي حدث يقع يفسرونه على أنه عقاب إلهي و على أنه نهاية العالم « . 

و في هذا السياق أشار الباحث في الشأن الديني عبد الوهاب رفيقي إلى أن العقل الديني التبريري يخرج كل يوم تفسيرا معينا، مما جعل رؤيته للحدث مضطربة جدا لكونها مجرد محاولات تأويلية و خرافية « لأسطرة حدث كبير »، معتبرا أن واقع الحال يؤكد أنه ليس هناك تفسيرا دينيا أو مرجعية دينية يمكن أن ترجع وباء كورونا إلى أمر ديني.

العلم و الدين : لكل واحد منهما مجاله الخاص

و في هذا الصدد يعتبر رفيقي بأن الدين له مجالاته و تخصصاته، و له طريقة استدلال مختلفة كليا عن العلم، حيث يقوم على الإطلاق و على المقدس و على العلاقة بين الخالق و المخلوق و يتناول قضايا متعلقة بالروح و بمعاني معينة خاصة بالإنسان نفسه.

و في المقابل يرى رفيقي بأن العلم مجال مختلف تماما عن الدين، مبرزا أن العلم قائم على التجربة و الاختبار و الاحتمال و النظرية و على إخضاع أي نظرية معينة أو أي احتمال معين للتجربة و الاختبار، معتبرا أنه مجال تجريبي و نسبي و ليس مجالا مطلقا أو مقدسا.

و أوضح الباحث في الشأن الديني، في شريط فيديو منشور عبر صفحته الرسمية على موقع فيسبوك، أنه يجب وضع مسافة كبيرة بين العلم و الدين، متسائلا عن سبب إصرار كثير من الناس على إقحام الدين في العلم.

و من إيجابيات فيروس كورونا يضيف رفيقي، الفصل ما بين العلم و الدين، مشيرا إلى أن المحافظة على العلم و الدين و الإحسان إليهما تكمن في ترك لكل واحد منهما مجاله الخاص. معتبرا أن أي محاولة للمزج بين العلم و بين الدين هي إفساد لهما معا.

و في هذا الشأن يبرز المتحدث ذاته أن النظرية العلمية قد تطرح اليوم و قد تتغير غدا و قد تعود، و هي في كل وقت خاضعة للنقض و الاختبار، بينما يعد الدين مجالا مطلقا و مقدسا مرتبطا بالغيبيات و بالأخبار و بقضايا بعيدة كل البعد عن أدبيات المجال العلمي و الأدوات التي يستعملها العلم في إثبات نظرياته، مستدركا بأن العلم لا يمكنه التدخل في قضايا مرتبطة بالدين.

و يرى رفيقي أن هناك صراعا تاريخيا قائما بين العلم و الدين، صراع كانت فيه الغلبة خلال معظم فترات التاريخ الإسلامي، للفقيه على حساب العالم بسبب التحالفات السياسية و الدينية، بيد أن الطفرة الكبيرة التي شهدها العلم، لا سيما بعد الثورة العلمية بأوروبا، جعلته يتحول إلى مرجع و ملاذ للناس و الدول. مما أدى إلى إزاحة الفقيه من لعب دور العالم الطبيعي أو دور الفيزيائي أو الطبيب، و انحسر دوره بشكل كبير.

و أشار الباحث في الشأن الديني في هذا الصدد إلى أن انحسار دور الفقه التقليدي، دفعه إلى البحث عن مصالحة بينه و بين العلم من خلال ما أسماها خرافات « الإعجاز العلمي »، عبر القول بأن كل هذه الاكتشافات و الاختراعات قد سبق لها الدين منذ قرون و أن النظرية الفلانية قد تحدث عنها الدين، و تطرقت إليها الآية الفلانية أو الحديث الفلاني. و هو ما أسقط الدين في مآزق كبرى. 


Poster un Commentaire

dix-sept − 16 =

Ce site utilise Akismet pour réduire les indésirables. En savoir plus sur comment les données de vos commentaires sont utilisées.