مقتل المدرس الفرنسي : فتوى « تحريضية » وراء الجريمة و حملة واسعة لمواجهة التطرف
مقتل المدرس الفرنسي : فتوى « تحريضية » وراء الجريمة و حملة واسعة لمواجهة التطرف
خلفت جريمة قطع رأس مدرس التاريخ و الجغرافيا الفرنسي صامويل باتي (47 عاما)، الأسبوع الماضي على يد اللاجئ الشيشاني من أصل روسي عبد الله أنزوروف (18 عاما)، في حيّ هادئ في منطقة كونفلان سانت – أونورين، في الضاحية الغربية لباريس، بسبب عرضه رسوما كاريكاتورية تصور النبي محمد (ص) في درس عن حرية التعبير، موجة حزن كبيرة في فرنسا وصدمة لازالت تخيم على المشهد الفرنسي، فيما تجمع الآلاف نهاية الأسبوع في عموم البلاد تكريما للضحية.
و أعلنت فرنسا يوم الإثنين الماضي أن « فتوى » كان قد أصدرها متشددين ضد المدرس الفرنسي الذي قُطع رأسه، و بينما وصف الرئيس الفرنسي هذه الجريمة، ب »الإرهاب الإسلامي »، شنت الشرطة الفرنسية حملة واسعة ضد عناصر متطرفة تستمر لأيام.
و إلى ذلك أدان المسجد الكبير « لإيفري كوركورون » و اتحاد مساجد جهة « إيل دو فرانس »، بـ « أشد العبارات »، « جريمة القتل الجبانة »، واصفين إياها بـ »العمل الإرهابي » الذي لا يمت بصلة للإسلام الذي يرفض مثل هذه الأعمال التي يرتكبها باسمه متطرفون جاهلون.
فتوى « تحريضية »
و في هذا الشأن قال وزير الخارجية الفرنسي جيرار دارمانان، إن « فتوى » كانت صدرت في حق مدرس التاريخ و الجغرافيا صامويل باتي الذي تعرض للذبح، على يد طالب روسي شيشاني والذي قتل برصاص الشرطة الفرنسية قرب موقع الهجوم.
و قال الوزير الفرنسي لإذاعة « أوروبا 1 » الفرنسية في إشارة إلى مشتبه بهما تمّ توقيفهما : « من الواضح أنهما أصدرا فتوى ضد المدرس »، متحدثاً بذلك عن والد تلميذة في كونفلان سانت-أونورين والناشط « الإسلامي المتطرف » عبد الحكيم الصفريوي. والرجلان هما من ضمن 11 موقوفاً على ذمة التحقيق في الجريمة .
وحسب وكالة الأنباء الفرنسية فإن وجود « الناشط الإسلامي الراديكالي » عبد الحكيم الصفريوي ضمن 11 شخصًا أوقفتهم الشرطة الفرنسية في إطار التحقيق في قتل صامويل باتي، يعزز الشكوك حول احتمال ضلوع « الحركات الإسلامية المتطرفة » في هذه الجريمة.
والصفريوي، المعروف لدى المخابرات، هو مؤسس جماعة الشيخ أحمد ياسين (مؤسس حركة حماس الذي قتل على يد الجيش الإسرائيلي عام 2004)، توجه في بداية أكتوبر الجاري، برفقة والد إحدى التلميذات إلى المدرسة حيث كان الأستاذ الضحية يدرس مادة التاريخ ليطلب فصل المعلم الذي عرض على تلاميذه رسوما كاريكاتورية للنبي محمد (ص).
وتبين أن المهاجم كان على تواصل قبل الجريمة مع والد تلميذة في صف المدرس الضحية، وكان غاضبا مما فعله الأخير. وكان والد التلميذة وراء حملة على الإنترنت تحض على « التعبئة » ضد الأستاذ، حيث نشر رقم هاتفه على فيسبوك وتبادل الرسائل مع القاتل الشيشاني على تطبيق « واتساب » قبل أيام من الجريمة، وفق وكالة الأنباء الفرنسية.
وقال لوران نونيز، المنسق الوطني للمخابرات ومكافحة الإرهاب، لوكالة الأنباء الفرنسية، إن الحركات الإسلامية « الأقلية تحاول إقناع المسلمين بأن فرنسا دولة معادية للمسلمين. وتسعى إلى استغلالها، وإلى إنشاء تكتل ». مضيفا: « وعند وقوع أدنى حادث، ينفذون ».
وفي هذا الصدد يقول المحلل السياسي المغربي المقيم في فرنسا، مصطفى طوسة، في تصريحات صحفية، إن هذه العملية الإرهابية لم تكن كتلك التي تنفذها التنظيمات الإرهابية، مثل داعش الذي كان يهدد فرنسا، موضحا أن هذه العملية وقعت بفعل الدعاية التي تأثر بها المنفذ، مشددا على أن فرنسا باتت واعية بأن الخطاب المتطرف يمكن أن يكون شريكا في العملية الإرهابية، ولا سيما في تجييش الشباب صوب الأفعال الإرهابية وهو ما يمثل تهديدا.
وفي تدوينة له على موقع فيسبوك قال الباحث في الشأن الديني محمد عبد الوهاب رفيقي، إن « ما تعيشه فرنسا وأوربا عموما من تنامي الفكر المتطرف تتحمل جزءا من مسؤوليته الحكومات الغربية السابقة »، متسائلا: « من فتح الباب للمد الوهابي ليغزو أوربا عبر ما يسمى بالمراكز الإسلامية التي كانت تستضيف » الشيوخ » و » الدعاة » لتلقين الجالية المسلمة مبادئ الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين، ودروس الاستعلاء بالعقيدة واعتقاد التفوق وعدم الخضوع للقوانين الكافرة؟ ».
وتابع رفيقي قائلا : « أوروبا تتحمل كثيرا من المسؤولية فيما يقع اليوم على أراضيها، وإن كان ذلك بدعوى الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، أو كان تحت يافطة العلمانية و عدم القدرة على التدخل في أماكن العبادة، مع أنهم يعلمون أن المسجد عند المسلمين ليس مكانا للعبادة فقط، بل يوظف أيضا للاستقطاب والتجنيد والشحن والتعبئة »، لافتا إلى أن » أوروبا مطالبة اليوم بإعادة النظر في كل سياساتها السابقة تجاه الفكر المتطرف ومنابعه وأصوله ومستنقعاته، وإلا فإن النتائج ستكون أسوأ مما عليه الآن ».
ويذكر أنه منذ نحو شهر تقريبا، كان هناك تقارب وتعبئة لثلاثة تيارات إسلامية، هي (المسلمون) بزعامة مروان محمد، المتحدث السابق باسم هيئة مناهضة معاداة الإسلام في فرنسا وهيئة مناهضة الإسلام وجمعية (بركة سيتي) الخيرية »، وفق ما أوضح مصدر مقرب من الحكومة لوكالة الأنباء الفرنسية.
وأكد المصدر ذاته أن هذه التيارات تعتبر فرنسا : » دولة عنصرية ومعادية للمسلمين وبلدا غير مؤمن وكافر »، قائلا : « إنهم يريدون زرع الفوضى والحرب الأهلية لتطوير نظام جديد حول الشريعة. إنهم يندرجون ضمن إجراء عنيف ».
ويرى أن خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخير حول الانعزالية الإسلامية زاد من حدة غضبهم. واعتبر أن تنفيذ الشاب الروسي الشيشاني لهذا العمل هو « جزء من هذا » الغضب. حسب وكالة الأنباء الفرنسية.
عمليات ضد التطرف
وبهذا الخصوص أشارت الرئاسة الفرنسية إلى أنّ وزيرَي الداخليّة جيرالد دارمانان، والعدل وإريك دوبون موريتي، قدّما « خطّة عمل ستُنفّذ خلال الأسبوع » وستُتّخذ بموجبها « إجراءات ملموسة » ضدّ أيّ مجموعات وأشخاص قريبين من « الدوائر المتطرفة » ينشرون دعوات كراهية يمكن أن تُشجّع على تنفيذ هجمات.
وتشن الشرطة الفرنسية منذ الإثنين الماضي عمليات مداهمة واسعة، قال وزير الداخلية الفرنسية جيرالد دارمانان، إنها تهدف إلى « تمرير رسالة: (…) لن ندع أعداء الجمهورية يرتاحون دقيقة واحدة »، مضيفا أنه تم فتح أكثر من 80 تحقيقا بشأن الكراهية عبر الإنترنت، وأن عمليات توقيف حصلت في هذا الإطار.
وتتوفر الشرطة الفرنسية على 231 اسما أجنبيا مدرجا على لوائح الإرهاب، ومعروفة صلتهم بجماعات راديكالية من بينهم أئمة مساجد، وهناك توجه إلى طردهم خارج البلاد.
وتعهد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أمس الثلاثاء، بـ »تكثيف التحركات » ضد ا »لإسلام المتطرف » بعد حادثة مقتل مدرس التاريخ والجغرافيا، معلنا حل جماعة الشيخ أحمد ياسين الموالية لحركة حماس و »الضالعة مباشرة » في الاعتداء.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وصف جريمة قتل الأستاذ صامويل باتي، بأنها « إرهاب إسلامي »، قائلا : » قتِل مواطن اليوم، لأنه كان معلمًا ولأنه كان يُدرّس حرية التعبير للتلاميذ ». مضيفا : « البلاد بأكملها تقف مع المعلمين. الإرهابيون لن يقسِّموا فرنسا. الظلامية لن تنتصر ».
وفي هذا السياق، ذكّر كريستيان جاكوب زعيم « الحزب الجمهوري » في فرنسا، ماكرون بوجوب اتخاذ إجراءات حقيقية بدلاً من الكلام. مردفا في بيان، يوم السبت الماضي : « الخطب الكبيرة يجب أن تفسح المجال لقرارات كبيرة ضد الإرهاب الإسلامي »، ومن جهته شدد رئيس تكتل الحزب الجمهوري في البرلمان الفرنسي داميان أباد على أن هذه المعركة لن تربح بالأقوال بل بالأفعال.
وأعلن وزير الداخلية الفرنسي، جيرار دارمانان، عزمه على حلّ عدة جمعيات من بينها « التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا » مؤكداً أن « 51 كياناً مجتمعياً سيشهد على مدى الأسبوع عدداً من الزيارات لأجهزة الدولة والعديد من بينها سيتمّ حلها في مجلس الوزراء، بناء على اقتراحي ».
وأوضح أن التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا « متورط علناً » وهناك « عدد معين من العناصر يسمح لنا بالتفكير أنها عدو للجمهورية »، مضيفاً أن الجمعية « تتلقى مساعدات من الدولة وتخفيضات ضريبية وتندد برهاب الإسلام في الدولة ».
وفي هذا السياق ذكر دارمانان أيضاً منظمة « بركة سيتي » (مدينة البركة) غير الحكومية التي أسسها مسلمون ذوو نزعة سلفية، وقد وُضع رئيسها ادريس يمو الخميس الماضي تحت المراقبة القانونية في إطار تحقيق بتهمة مضايقة صحافي على الشبكات الاجتماعية.
جريمة لا صلة لها بالإسلام
وفي هذا الصدد أدان المسجد الكبير لإيفري كوركورون واتحاد مساجد جهة إيل دو فرانس، بـ « أشد العبارات »، « جريمة القتل الجبانة »، « العمل الإرهابي » الذي لا يمت بصلة للإسلام.
وأكد خليل مرون، رئيس المسجد الكبير لإيفري كوركورون، وحمان اليعقوبي، رئيس اتحاد مساجد جهة إيل دو فرانس ، في بلاغ صادر عن الجمعية الثقافية للمسلمين بإيل دو فرانس أن » الإسلام يرفض مثل هذه الأعمال التي يرتكبها باسمه متطرفون جاهلون. فهم الأشخاص أنفسهم الذين يجندون الأطفال منذ سن مبكرة، ويجعلونهم متعصبين في سن المراهقة، ويجندونهم، ويسلحونهم، ويحددون لهم أهدافا أو يرسلونهم إلى سوريا ليقتلوا ويموتوا لأسباب تتجاوزهم ولا تعنيهم في شيء ».
وأكدا « نحن مسلمو فرنسا، نصطف بحزم وراء الجمهورية للدفاع عن قيمها وقوانينها، ونطالب أيضا بالحق في احترام قدسيتهم التي يتم أحيانا انتهاكها باسم حرية تعبير انتقائية وفقا للمواعيد الانتخابية، الأمر الذي لا ينطبق على الأديان الأخرى ».
ولفت المصدر ذاته إلى اعتبار أن « حرية التعبير لا تعني الإهانة، حيث ينبغي أن تشجع حرية التعبير على بروز الأرواح النقية لتطهير المجتمع وتحفيز نقاش بناء، يجب أن تسير في اتجاه الوحدة وليس في الاتجاه الذي يحدث الانفصالية والصراعات الاجتماعية التي تشكل العديد من التهديدات للتماسك حول قيم الجمهورية ».
ويرى رئيس المسجد الكبير لإيفري كوركورون ورئيس اتحاد مساجد جهة إيل دو فرانس، أنه « لا شيء ولا أحد يستطيع تبرير اغتيال صامويل باتي. إننا ندين ذلك بأشد العبارات، كما ندين التحريض والاستفزازات الخبيثة التي أدت إليه. إننا ندين ونرفض أي عمل من أعمال العنف المرتكب باسم الإسلام، وندين المس بقيم الجمهورية، وندين التحريض على الكراهية أينما كانت من خلال رسوم كاريكاتورية ».
وبدوره أدان الأزهر، عبر صفحته الرسمية على موقع فيسبوك الحادث، واصفًا الجاني بـ »المتطرف »، داعيا إلى ضرورة التحلي بأخلاق وتعاليم الأديان التي تؤكد احترام معتقدات الآخرين، مؤكدا أن القتل جريمة لا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال.
Poster un Commentaire