أزمة « الأساتذة المتعاقدين » تتجه إلى النفق المسدود
أزمة « الأساتذة المتعاقدين » تتجه إلى النفق المسدود
يتجه ملف « الأساتذة المتعاقدين » أو الاساتذة أطر الأكاديميات كما تطلق عليهم الوزارة، إلى النفق المسدود أمام غياب حل يرضي هؤلاء الأساتذة في ظل استمرار عشرات ألاف « الأساتذة المتعاقدين » في مقاطعة قاعات التدريس والنزول إلى الشوارع لخوض إضرابات في عدد من المدن المغربية، لما يربو عن خمسة أسابيع، مطالبين بالترسيم في أسلاك الوظيفة العمومية في إطار وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي.
ومن جهة أخرى لجأت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي إلى اعتماد نظام التوظيف العمومي الجهوي في إطار الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وذلك بعدما أدخلت تعديلات على النظام الأساسي الخاص بموظفي الأكاديميات الجهوية، بشكل ينهي مرحلة التوظيف بالتعاقد، فضلا عن تضمنها لحقوق ستمنح للأساتذة أطر الأكاديميات لم تكن مدرجة ضمن النظام الأساسي السابق، خطوة اعتبرتها الوزارة خيارا استراتيجيا للدولة وليس فقط للوزارة ويدخل ضمن التوجيهات الملكية بخصوص اللاتمركز الإداري وهي التوجيهات التي تتماهي وجوهر دستور 2011.
هذه الإجراءات قوبلت بالرفض من طرف « التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد »، وأيضا من لدن النقابات الخمس الأكثر تمثيلية ،وهي النقابة الوطنية للتعليم « ف.د.ش » والجامعة الوطنية للتعليم » التوجه الديمقراطي »، والجامعة الوطنية للتعليم « إ.م.ش » والجامعة الحرة للتعليم « إ.ع.ش.م » والنقابة الوطنية للتعليم « ك.د.ش » معتبرين أن الحوار هو الحل لهذه الأزمة .
أمزازي يشهر البطاقة الحمراء في وجه الأساتذة المتعاقدين
رفض سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي ، الجلوس إلى طاولة الحوار مع « التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد »، معتبرا أنها لا تمتلك الشرعية القانونية للتحاور باسم الأساتذة .
وقال أمزازي في ندوة صحفية عقدت يوم الأربعاء 27 مارس 2019 بمقر الوزارة بالرباط « أنتم تسمونها تنسيقية الأساتذة المتعاقدين أما بالنسبة لي فليس لها إسم »، مستدركا بالقول إذا أراد ممثلو النقابات أن يجلبوا معهم هؤلاء الأساتذة لجلسات الحوار فلا مانع لدي.
وفي المقابل اعتبر عبد الرزاق الإدريسي الكاتب العام للجامعة الوطنية للتعليم » التوجه الديمقراطي » أن تصريحات الوزير أمزازي ليست في محلها مؤكدا أن الحوار هو الكفيل بحل أزمة الأساتذة المتعاقدين مشيرا إلى أن الوزارة يجب أن تفتح باب الحوار في وجه « التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد « ، وذلك بحضور النقابات أو في غيابها.
وردا على اعتبار وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، أن « التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد » لا تمتلك الشرعية القانونية للتحاور مع الوزارة باسم الأساتذة، قال الإدريسي في تصريح ل (Luxe Radio) ،إن التنسيقية في قطاع التربية والتكوين أصبحت واقعا، معتبرا أنهم في نقابتهم الجامعة الوطنية للتعليم » التوجه الديمقراطي » يتعاملون مع التنسيقية باعتبارها واقعا، مردفا أن التنسيقية تتكون من نقابيات ونقابيين ينتمون إلى نقابات.
ومن جهة أخرى أوضح أمزازي أنه لا مشكل لديه في محاورة الأساتذة أطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين مشترطا أن يكون حضورهم إلى طاولة الحوار تحت جبة النقابات التعليمية وليس التنسيقية التي تمثلهم، مضيفا أن الحوار لن يتم إلا مع مؤسسات دستورية معترفا بها، وهي النقابات.
وفي هذا الصدد اعتبر عبد الرزاق الإدريسي الكاتب العام للجامعة الوطنية للتعليم » التوجه الديمقراطي » في حديثه ل(Luxe Radio) أن النقابات اجتمعت مع الوزير أمزازي في ثلاث مناسبات وطرحت خلالها مسألة التعاقد، غير أن جلسات الحوار لم تفضي إلى أي نتيجة تذكر يضيف الإدريسي، لافتا إلى أن الوزارة منفردة بهذا الملف والحديث عن الحوار مع النقابات مجرد كلام على عواهنه.
نهاية نظام التعاقد
صادقت الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بالمملكة، يوم الأربعاء 12 مارس 2019، على قرار التخلي عن نظام « التعاقد » ومراجعة جميع المواد التي تشير إلى فسخ العقد لكون « التعاقد » لم يعد معتمدا.
وجاء ذلك خلال دورة استثنائية عقدتها المجالس الإدارية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بجميع جهات المملكة لدراسة التعديلات المقترح إدخالها على النظام الأساسي لأطر هذه الأكاديميات والمصادقة عليها، تفعيلا لالتزامات الحكومة، وذلك حسبما جاء في بلاغ لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي.
وصادق أعضاء هذه المجالس بالإجماع على هذه التعديلات بالنسبة لعشر أكاديميات جهوية للتربية والتكوين، وبالأغلبية المطلقة بالنسبة لأكاديميتين، وحسب البلاغ من شأن هذا النظام المصادق عليه أن يمكن الأساتذة أطر الأكاديميات من الاستفادة من وضعية مهنية مماثلة للموظفين الخاضعين للنظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية.
وتتضمن التعديلات المصادق عليها السماح لأطر الأكاديميات بممارسة أنشطة خارج أوقات العمل شريطة ألا تكون مدرة للدخل؛ وتمتيع أطر الأكاديميات بالحق في الترقية في الرتبة والدرجة على مدى حياتهم المهنية.
و شملت التعديلات المصادق عليها ، مراجعة المادة 25 من النظام الأساسي في شأن التقاعد بعد الإصابة بمرض خطير ، وذلك بتمتيع أطر الأكاديميات بنفس الحقوق المكفولة لباقي الموظفين؛ وتطبيق نفس المقتضيات القانونية على أطر الأكاديميات التي تسري على جميع موظفي الإدارات العمومية في حالة العجز الصحي ؛ والحركة الانتقالية مكفولة للأستاذ داخل الجهة التي ينتمي إليها؛ و إدماج جميع أطر الأكاديميات بصفة تلقائية ضمن أطر الأكاديمية دون الحاجة إلى ملحق العقد؛ وترسيم الأساتذة أطر الأكاديميات وإعادة الترتيب في الرتبة 2 من الدرجة الثانية ( السلم 10) مع الاحتفاظ بالأقدمية المكتسبة بالأكاديمية مباشرة بعد الإدماج ضمن أطر الأكاديمية و النجاح في امتحان التأهيل المهني.
إلى ذلك أبدى سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية تمسكه بنظام التوظيف العمومي الجهوي، موضحا أن هذا النظام لم تفرضه إملاءات المؤسسات الدولية كما يتم النرويج لذلك، وإنما هو نابع من توصيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين بهدف توظيف أكبر عدد ممكن من الأساتذة لمحاربة الاكتظاظ في الأقسام، مشيرا إلى أنهم عملوا في البداية بنظام التوظيف الذي تحول اليوم إلى توظيف عمومي جهوي.
هذا التوظيف اشترط فيه عبد الرزاق الإدريسي الكاتب العام للجامعة الوطنية للتعليم » التوجه الديمقراطي » ، في حديثه ل (Luxe Radio) ،أن يكون توظيفا جهويا في إطار وزارة التربية الوطنية وليس في إطار الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، مطالبا الحكومة باعتماد التوظيف الجهوي في إطار الوظيفة العمومية وليس في شكله الحالي.
ولفت الإطار النقابي إلى أن ملف الأساتذة المتعاقدين شهد تطورات عديدة، بداية باعتماد نظام العقدة مرورا بالنظام الأساسي والذي جاء بصيغتين، صيغة أولى ثم ثانية ، انتهاء بالنظام الأساسي بصيغته الحالية ، والذي ينهي مرحلة التوظيف بالتعاقد ، معتبرا أن مضمون التشغيل الحالي يكرس الهشاشة بالنظر إلى كون المشغل سواء كان أكاديمية أو غيرها من السهل أن يطرد الموظف في قطاع التعليم في أي وقت وبسهولة وبمقتضى القانون.
وربط الكاتب العام للجامعة الوطنية للتعليم » التوجه الديمقراطي »، التوظيف العمومي الجهوي بالسياسة العامة للبلاد خاصة فيما يخص الخدمات العمومية، لافتا إلى أن هذه الإجراءات الجديدة التي اعتمدتها الوزارة الوصية من شانها ضرب هذه الخدمات في اتجاه خوصصة التعليم ، والإجهاز على مجانيته، وكذا انهاء وحدة التعليم لكي يصبح لمغرب تعليم بسرعتين مختلفتين ، مما سينتج عنه حسب نفس المتحدث ،تعليما خاصا بأبناء الفقراء والكادحين وتعليما خاصا بأبناء الأغنياء.
وزير التربية الوطنية سعيد أمزازي أشار إلى أن التوظيف العمومي الجهوي في إطار الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ، مكن من توظيف 70 الف شاب مجاز ،رقم اعتبره الوزير غير مسبوق، مشددا على أن التعاقد لم يعد موجودا وأضحى الحديث الآن عقب تعديل النظام الأساسي للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، عن أساتذة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ، معتبرا أن هؤلاء الأساتذة يتمتعون اليوم بنفس الحقوق التي يتمتع بها الأساتذة المنتمون إلى الوظيفة العمومية.
وكان تقرير للمجلس الأعلى للحسابات أشار حول البرنامج الاستعجالي إلى التوظيف بالتعاقد لتغطية الخصاص من المدرسين ، مشيرا إلى تجاوز التوظيفات الفعلية التي تمت خلال فترة تنفيذ المخطط الاستعجالي الحاجيات الاصلية التي حددتها الوزارة، وبالتالي فإن الخصاص في هيأة التدريس يعد ظاهرة بنيوية في نظام التعليم .
وبغية سد هذا الخصاص ، تم توظيف 54927 مدرسا بالتعاقد خلال الفترة الممتدة من 2016 إلى 2018 وإلحاقهم مباشرة بالأقسام الدراسية ، دون الإستفادة من التكوين المطلوب الأمر الذي قد ينعكس سلبا على جودة التعليم.
ثمن الإضرابات
شن سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي ، هجوما لاذعا على » التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد « ، متهما أعضاءها بترهيب باقي الأساتذة الذين تراجعوا عن الإضراب ،وقال « إن الذين يعرقلون السير العادي للدراسة ويمسون بحق التلاميذ في التمدرس ويضرون بالمصلحة العامة تم الشروع في عزلهم من عملهم « ، معتبرا أن عزلهم موكول لمديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.
ورفض أمزازي تسمية الإضراب الذي يخوضه « الأساتذة المتعاقدون » بهذا الإسم واصفا إياه ب »ترك الوظيفة « و »التوقف الجماعي عن العمل »، مضيفا أنه ليس هناك إضراب في العالم يدوم أربعة أسابيع.
ووجه أمزازي نداء إلى باقي الأساتذة من أجل الالتحاق بأقسامهم الدراسية، مبرزا أن الوزارة لن تتخذ أي إجراء في حقهم في حال عودتهم إلى حجراتهم لمزاولة أعمالهم. وفي حالة عدم التحاق الأساتذة بعملهم ، توعدهم أمزازي بأن الوزارة ستلجأ إلى تطبيق مسطرة عزلهم من الوظيفة.
ورغم تهديد وزير التربية الوطنية بالشروع في تطبيق مسطرة ترك الوظيفة في حق « الأساتذة المتعاقدين » ،قرر « المجلس الوطني للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد »، الذي انعقد بالرباط في يوم الأحد 31 مارس 2019، تمديد الإضراب الوطني للأسبوع الخامس على التوالي وذلك من 31 مارس إلى غاية 14 أبريل 2019 ، حسبما أفادت تقارير إعلامية .
وعللت التنسيقية تمديدهم للإضراب بغياب تجاوب الإيجابي من لدن الوزارة الوصية واكتفائها فقط بالحلول الترقيعية، لافتة إلى أنهم سيعلنون الأشكال الاحتجاجية الموازية للإضراب عند انتهاء المجلس الوطني.
وبخصوص تأثير الإضراب الذي يخوضه « الأساتذة المتعاقدون » أو كما أطلق عليهم وزير التربية الوطنية الأساتذة أطر الأكاديميات، قال أمزازي إن نسبة 7 في المائة من التلاميذ تضرروا جراء غياب الاساتذة عن فصولهم الدراسية ، مشيرا إلى أن الوزارة التي اتخذت حزمة من التدابير لتفادي الهدر المدرسي وتأمين الزمن المدرسي ، ومن جملة هذه التدابير، ضم الأقسام إلى بعضها واستدعاء الأساتذة المتعاقدين وتقليص بعض المواد الدراسية كالإنجليزية ، حيث تمنح الأولوية لتلاميذ السلك الثانوي عوض الإعدادي.
الإضرابات التي يخوضها « الاساتذة المتعاقدون » أو أطر الأكاديميات لما يناهز خمسة أسابيع ، دفعت الكونفدرالية الوطنية لجمعيات أمهات وآباء التلاميذ ، معتبرة أن هذا الوضع يهدد السنة الدراسية ويثر سلبا على مستوى تحصيل التلاميذ .
ورفضت الكونفدرالية في بلاغ لها اقحام التلاميذ بأي شكل من الأشكال في هذا الخلاف بين الأساتذة المتعاقدين والحكومة، داعية الطرفين إلى اتخاذ التدابير اللازمة لتعويضهم عما فاتهم من زمن مدرسي.
ومن جهة أخرى حثت جمعيات لأمهات وآباء التلاميذ الأساتذة المتعاقدين إلى وضع حد للإضرابات المفتوحة، بما يمكن من الحفاظ على الزمن المدرسي وبإعداد المتعلمين لاجتياز الاستحقاقات في ظروف أفضل، داعية إياهم إلى التعبير عن استعداد للحوار يقود تدريجيا إلى حل الإشكالات العالقة.
Poster un Commentaire