logo-mini

وباء كوفيد 19 ليس قضاء الله ولا غضبه بل مجرد قدره كسائر قوانين الوجود، على الناس القضاء فيهم

Partager

وباء كوفيد 19 ليس قضاء الله ولا غضبه بل مجرد قدره كسائر قوانين الوجود، على الناس القضاء فيهم

لا شك أن فيروس كورونا المستجد الذي ظهر أواخر شهر دجنبر الماضي في مدينة ووهان وسط الصين، و اجتاح في ما بعد أصقاع المعمورة، صعق البشرية و أربك حسابات أعتى المنظومات الصحية للدول العظمى، و حول الأرض إلى « حجر صحي كبير »، و غير نمط عيش الناس و قيد حركتهم، مما سيكون له لا محالة تبعات ستسم حاضر و مستقبل العالم.

و خلال هذه اللحظة المفصلية في تاريخ البشرية، و فيما سارعت الدول الخطى إلى محاصرة الوباء الذي حصد أرواح أزيد من 114 ألف شخص، و فاق عدد الإصابات مليون و800 ألف حالة في مختلف دول العالم، انتشرت كالنار في الهشيم تأويلات و تفسيرات فقهاء و رجال الدين لأصل و حقيقة ظهور فيروس كورونا.

و في الوقت الذي أماطت فيه جائحة كورونا الستار عن ضعف المنظومات الصحية حول العالم، كشفت أيضا هشاشة مواقف بعض الدعاة و رجال الدين، الذين سارعوا في البدايات الأولى لظهور الفيروس إلى الجزم بأن كورونا جند من جنود الله و عقاب إلهي للصين بسبب اضطهادها لأقلية « الايغور » المسلمة، لكن و مع اتساع رقعة تفشي الفيروس و انتقاله إلى البلدان العربية و الإسلامية، خرجوا بمواقف متناقضة أرجعت ظهور الوباء إلى  » القدر الإلهي »، مصرين على أنه ابتلاء من عند الله لتمحيص قلوب المؤمنين الصالحين و معرفة مدى صبرهم و ثباتهم عند المصائب، و للتكفير عن خطاياهم. 

و في هذا السياق يرى الباحث في الأديان رشيد أيلال،  » أنه عندما ظهر فيروس كورونا في الصين، اعتبر الشيوخ من السلفية الوهابية و من الجماعات الإخوانية، أن الله يعاقب الصين نظرا لحربها على المسلمين »، مضيفا أنه « بعد انتشار الفيروس في العالم أجمع بما فيه العالم الإسلامي بدؤوا يتحدثون على أن الوباء ابتلاء إلهي، و أن من يموت من المسلمين بفيروس كورونا فإنه يموت شهيدا، و هم ينسبون إلى الله أمورا لا علاقة له بها. »

و أضاف أيلال في تصريحه ل « لوكس راديو »، أن المسلمين يرددون خلال الصلوات الخمس لفظ الله أكبر، متسائلا :  « إذا كان الله أكبر من كل كبير فكيف يضعه هؤلاء مصارعا لعباده و في معركة دائمة مع خلقه ؟ « ، واصفا هذه الأمور بالوثنية.

و قال صاحب كتاب « صحيح البخاري : نهاية أسطورة »، إن فكرة أن الأوبئة عقاب من الله أو ابتلاء إلهي، ظهرت لدى الأديان القديمة، مشيرا إلى أنه حتى الديانات الوثنية كانت تعتقد بهذا الأمر و توارثت الأديان هذه الأفكار و الأساطير التي لا أساس لها من الصحة بدون تمييز و بدون عقل. حسب تعبيره.

و من جهة أخرى أشار الشيخ السلفي عمر الحدوشي عبر قناته على موقع « يوتيوب » إلى أن وباء كورونا أصاب الصين و انتقل من دولة إلى أخرى، و ذلك رغم التطور التكنولوجي الذي تشهده الصين، و تابع قائلا : » فيروس كورونا قهر أعظم الدول و جعل جبروتهم إلى الحضيض، » مردفا أن « هذا يدل على أن هناك قوة فوق قوتهم و أن هناك ربا عظيما قويا جبارا لا يمكن أن تغلبه أي قوة »، مؤكدا أن « كورونا جند من جنود الله، و لا يعلم جنوده إلا هو. »

و بدوره الانساق الأمين العام لجماعة « العدل والإحسان » محمد العبادي، لوصف كورونا بأنها جند من جنود الله، حيث قال في فيديو نشر في أحد المنابر التابعة لجماعته « إن هذه الأوبئة تثور في وجهه (الإنسان) عندما يتخلى عن وظيفته، فتغضب لله وتنتقم لله، فهي جند من جنود الله يسخرها الله سبحانه وتعالى ، ليؤدب بها الإنسان ليرجع إلى مولاه ».

و في المقابل يرى رشيد أيلال الباحث في الأديان، أنه  » إذا كان فيروس كورونا جند من جنود الله كما يدعي هؤلاء، فهل عندما يكتشف البشر دواء و لقاحها لهذا الوباء، هل يمكن عندها أن نقول إن البشرية استطاعت أن تتحدى العقاب الرباني و تسيطر على جنود الله »، مشددا على أن هؤلاء يطلقون كلاما على عواهنه دونما تفكير في عواقبه و لا في مقتضياته و بالتالي يضيف أيلال أنهم « بأفكارهم يضعون الله في موقف هش و ضعيف ».

و اعتبر صاحب كتاب « صحيح البخاري : نهاية أسطورة »، في حديثه ل « لوكس راديو »، أن  » أي شيء يقع ينسب إلى الله، يعد و سيلة من و سائل تصفية الحسابات الشخصية مع الايديولوجيات المخالفة و مع الأنظمة المخالفة. »

و أشار أيلال  إلى أنه « من يعتقد أن الجائحات و الكوارث و الأمراض التي تجتاح البشرية هي ابتلاء من الله أو عقاب و انتقام رباني، فإنه يلزمه و حي من عند الله، نزل عليه ، فهو رسول، و أخبره أن هذا الوباء ابتلاء أو عذاب إلهي ».

و خلافا لما قاله عن أن وباء كورونا جند من جنود الله سلطهم على « الطغاة »، اعتبر الشيخ السلفي عمر الحدوشي عبر قناته على « يوتيوب » أن فيروس كورونا قد يكون مغفرة للذنوب، مستدلا على ذلك بحديث النبي صلى الله عليه و سلم : « ما يصيب المسلم من نصب، و لا وصب، و لا هم و لا حزن، و لا أذى، و لا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه »، و كذا قوله صلى الله عليه و سلم  » أعظم الجزاء من أعظم البلاء ».

و شدد المتحدث على أن المؤمن عند النوازل يرجع إلى الله و يصحح ما بينه و بين خالقه، و زاد قائلا : « ما نزل من بلاء إلا بذنب و لا يرفع إلا بتوبة »، مشيرا إلى أن المؤمن يجب أي يحصن نفسه بأذكار الصباح و المساء. 

و تابع الشيخ السلفي قائلا : » إن ما يصيب المؤمن، إما أن يكون كفارة أو أنيكون لرفع الدرجات « ، محتجا بقول النبي صلى الله عليه و سلم : « عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، و ليس ذلك لأحد إلا للمؤمن : إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، و إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ».

و على النقيض من ذلك أكد الباحث في الأديان رشيد أيلال في حديثه ل « لوكس راديو »، أن فيروس كورونا ليس ابتلاء من الله و ليس عقابا إلهيا، مشدد على أنه حتى القرآن الكريم يقول : « ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس »، ( الروم، الآية 41)، مشدد على أن الإنسان أولا و أخيرا هو المسؤول عن تخريب الطبيعة، و لذلك يجب أن يتحمل مسؤوليته إزاء ما يقع من أوبئة.

و سجل أيلال أن الأوبئة هي نتيجة لاختلال توازن الطبيعة، و سبب هذا الاختلال هو الإنسان الذي لم يحترم النواميس الكونية، ما ينتج عنه الأمراض و الأوبئة و الكوارث التي تعيشها البشرية من حين لآخر. على حد تعبيره.

و خلص إلى أنه « لا يمكن أن نحمل الغيب مسؤولية أفعالنا و تصرفاتنا و يجب على الإنسان أن يكون مسؤولا و ينهض بعقل واع و بعقل عالم باحث و بعقل مكتشف، كي يصحح الوضع و ليبعد البعد الغيبي عن كل هذا ».


Poster un Commentaire

trois × 1 =

Ce site utilise Akismet pour réduire les indésirables. En savoir plus sur comment les données de vos commentaires sont utilisées.