جائحة كورونا : دفع الوباء بين الدواء والدعاء
جائحة كورونا : دفع الوباء بين الدواء والدعاء
من حسنات جائحة كورونا أنها قدمت دروسا كبيرة للإنسانية، من جملتها أن قيمة الدول تقاس بعلمائها، و أن الأمر الضروري لحماية الشعوب و تحصينها من الكوارث و الأوبئة، ليس في أبراجها العالية أو جيوشها الضخمة أو أسلحتها المتطورة، و إنما يكمن في العلم و التعليم، الذي يسير جنبا إلى جنبا مع الصحة.
و حسب مراقبين يعد التعليم و الصحة مفتاح الفرج للخلاص في مثل هذه الأزمات، و قاعدتان أساسيتان للتأسيس للوعي و الفكر و بالتالي للسلوك القويم السليم في التعامل أثناء مختلف ظروف الحياة سواء عند الشدة أو الرخاء و لا سيما عند انتشار الأوبئة و الأمراض الفتاكة، من أجل إيجاد الحلول و درء المصائب.
و مع اتساع رقعة انتشار جائحة كورونا حول العالم حيث قارب عدد حالات الإصابات المؤكدة المليون و نصف، تضاعفت جسامة المسؤولية الملقاة على عاتق العلماء، من أجل التوصل إلى علاج يقضي على هذا الوباء، حيث أضحوا في الصفوف الأمامية للمساعي و الجهود الرامية إلى مكافحة الفيروس، بينما في المقابل يعتبر البعض أنه بقدر الحاجة إلى العلماء هناك حاجة ملحة إلى رفع الأكف للسماء للتضرع و ترديد الأذكار و الدعاء لأنه في نظرهم السبيل لدفع البلاء.
العلم مفتاح الفرج
و في الوقت الذي يقف فيه العالم مذعورا خائفا من فيروس لا يرى بالعين المجردة و بينما اختفت فئات من المجتمع من المشاهير و المؤثرين و رجال الدين الذين كانوا تحت الأضواء وقت الرخاء، توجهت الأنظار نحو العلماء، الذين يوجدون في الصفوف الأمامية لمواجهة فيروس كورونا المستجد.
و تشير تقارير إعلامية إلى أنه في هذا الوقت العصيب الذي تمر منه جل شعوب العالم بمختلف أديانها و طوائفها و مذاهبها و أعراقها، يعكف علماء « الغرب الكافر » كما يصفهم البعض، جاهدين في مختبراتهم، في محاولة لإيجاد دواء للفيروس، حيث تتنافس عقولهم من أجل اكتشاف علاج فعال لوباء كورونا لإنقاذ البشرية من محنتها.
و يخوض العلماء شأنهم شأن الأطباء، حربا مزدوجة مع الفيروس و مع الزمن، حيث أجريت في كل من فرنسا و روسيا و الصين و بولونيا و ألمانيا و الولايات المتحدة الأمريكية، دراسات مخبرية و تجارب سريرية سعيا لإيجاد لقاح مضاد للفيروس، في أقرب وقت.
و يتوقع مراقبون أن يدفع عدد الأرواح التي حصدها وباء كورونا و حجم الخسائر التي تكبدتها عدد من دول العالم على كافة الأصعدة و القطاعات بسبب الوباء، لا محالة حكومات البلدان إلى إعادة النظر في الدعم الموجه للعلوم و الأبحاث و الميزانيات المخصصة لها فضلا عن العناية بالعلماء و تمكينهم من كافة السبل و الوسائل لإجراء البحوث و التجارب، إذ باتوا في هذه الظرفية الصعبة هم مخلصو البشرية من محنتها، كما سيدفعها إلى إعادة ترتيب أولوياتها، و تكثيف جهودها و التنسيق في ما بينها لخدمة الصحة العالمية و لما فيه صالح لكل الانسانية.
و من هذا المنطلق فإن العلم هو أساس نهضة الشعوب و ازدهار الحضارات و تنوير العقول، فالعقل العلمي المبني على النقد و البحث و الاكتشاف و غير الراكن للماضي و للأفكار التي أكل عليها الدهر و شرب و يغطيها الغبار، هو ركيزة بناء الحضارات و مؤسس الأوطان على درب الاستنارة و ليس الخرافة.
و في زمن كورونا ازدادت ثقة الناس في العلم و العلماء، و هذا ما يظهره حجم الإشادة و الثناء الذي حظي به أهل العلم و المختبرات على منصات التواصل الاجتماعي، في حين يرى متتبعون انحسارا لمنشورات الخطب الدينية و تراجعا لدور فقهاء الدين.
و في مقابل المساعي الحثيثة للعلماء الساعية إلى إيجاد دواء للفيروس في أقرب وقت يرى البعض أن السبيل إلى النجاة من جائحة كورونا هو سلوك أخلاقي و ليس علمي عبر ترديد الأدعية و الابتهالات، و هو ما ظهر واضحا في مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اختار مواطنون في بعض المدن المغربية الجهر بالتكبير و الدعاء من شرفات منازلهم عله يدفع البلاء.
الدعاء يرفع البلاء
لقد وضع فيروس كورونا المستجد الانسانية أمام حقيقة مفادها أن مصير البشرية بات واحدا، و شعوب العالم بمختلف هوياتهم و ثقافاتهم و أديانهم يوجدون على مركب واحد، لكن لكل واحد طريقة تجديفه و أسلوبه للنجاة، فإذا كان البعض اختار طريق العلم و الأبحاث، فإن البعض الأخر سلك سبيل الدعاء و الرجاء.
و في هذا السياق يرى الكاتب و الناشط الحقوقي أحمد عصيد، « أن توجيه جماعة « العدل والإحسان » نداء لأتباعها عبر موقعها بغرض الإكثار من الأدعية و الصلوات هو سلوك مضاد للمواطنة و الوطنية معا، حيث لا يخلو من معنيين : إما أن الجماعة تعتبر أتباعها و حدهم المؤمنين الذين سيتقبل الله دعاواهم فيرفع عنا هذا البلاء، و إما أنها تعتبر أنهم وحدهم الذين يستحقون أن يقربهم الله إليه فيؤثرهم برحمته دون بقية المواطنين الذين سينزل عليهم بأنواع العقاب و الغضب الاهليين. »
و قال عصيد في مقال رأي تحت عنوان : « هل واجهت البشرية الأوبئة بالعلم و الاختراع أم بالدعاء و الاعتكاف؟ »، إنه « صدر عن قيادة جماعة « العدل والإحسان » في شخص أمينها العام تصريح يقول فيه إن « الأوبئة جند من جنود الله (…) تغضب لله و تنتقم له (…) يسخرها الله ليؤدب بها الإنسان ليرجع إلى مولاه ». أي ليمارس وظيفته الحقيقية حسب هذا التيار و التي هي العبادة. »
و أضاف الناشط الحقوقي الأمازيغي أن « الإسلام السياسي أشبه بالجوارح و أكلة الجيف، حيثما كان الموت و الخوف تجدهم يحومون بحثا عن غنيمة، و غنيمتهم استقطاب المزيد من المريدين، الناس مشتغلون بالوباء و بكيفية مواجهته و بحملة التحسيس الوطنية و هم يعتبرون الأمر محسوما في السماء و لا يتبقى للبشر إلا الأدعية و الابتهالات و البكاء في الصلوات، إن نداء « الجماعة » كمن يقول للناس : « تعالوا إلي أنا منقذكم من الخوف و الموت !. »
و اعتبر عصيد أن هذا الأمر هو « نفس العقلية التي سادت في أوروبا خلال عصور ظلماتها، حيث كانت الكنيسة تعتبر الأوبئة و المجاعات فرصتها الذهبية لتجعل الناس يتجمهرون تحت وصايتها، و يصبحون أكثر خضوعا و عبودية، هذه الوصاية التي لا تعني فقط سلطة رمزية، بل الكثير من المكاسب المادية و الكثير من السلطة الزمنية كذلك.
و تطرق أحمد عصيد في مقاله إلى التجربة الصينية مع فيروس كورونا المستجد، معتبرا أنها قدمت درسا عظيما للمسلمين، في المثابرة و النظام و التضامن و الالتزام الوطني، مردفا: » فيا معشر المغاربة، حصنوا أنفسكم بالعلم و الوقاية الطبية، و علموا أبناءكم قواعد التفكير المنطقي و العلمي، و كيفيات البحث و الاستقصاء لمعرفة أسباب الظواهر، فإن ذلك أساس الانتماء إلى عصرنا الحالي، و إنه لمعضلة حقيقية أن نتواجد بأجسامنا في سنة 2020، و بأدمغتنا في عصر آخر بعيد عنا بقرون طويلة. »
و من جهة أخر يحتج الذين يلجأون إلى الدعاء في وقت الشدة بالأحاديث النبوية في هذا الشأن، حيث ثبت أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يدعو في أوقات الأزمات و يسأل الله تعالى أن يرفع البلاء، و قال (ص) « لا يرد القدر إلا بالدعاء. » رواه أحمد و الترمذي.
و تحفل السنة النبوية في هذا الصدد بأحاديث صحيحة كثيرة، من بينها ما ورد عن أنس رضي الله عنه أن النبي (ص) كان يقول : » اللهم إني أعوذ بك من البرص و الجنون و الجذام و من سيئ الأسقام ». رواه أحمد و أبو داود و النسائي. و من ضمن الأدعية أيضا قوله (ص): » اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك و تحول عافيتك و فجأة نقمتك و جميع سخطك. » رواه مسلم.
و في مقابل حث السنة النبوية على الدعاء و التضرع إلى الله من أجل رفع البلاء عند الأزمات، دعت أحاديث نبوية كثيرة الناس إلى إخفاء الدعاء و عدم الجهر به، و ذلك من باب التضرع و الخشوع و الانكسار أمام الخالق و هذا ما لم يلتزم به أولئك الذين صدحت حناجرهم بالتكبير و التهليل و الدعاء في بعض المدن المغربية .
و ورد عن النبي (ص) في هذا السياق أنه لما رفع الصحابة أصواتهم بالتكبير وهم معه في السفر، قال: » أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم و لا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته. » و قال تعالى: » و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ». و قوله تعالى: » ادعوا ربكم تضرعا و خفية ».
و إلى ذلك يعتبر بعض من أصحاب هذا الطرح أن فيروس كورونا المستجد، هو ابتلاء من الله عز و جل و لا سبيل لرد قضاء الله إلا بالدعاء و التكبير، و أن النجاة من العدوى بالوباء بيد الله و لن تصيبهم ما داموا يدعون الله و يتضرعون إليه، و هذا ما أكدته تصريحات كثير من المواطنين عبر فيديوهات متداولة على منصات التواصل الإجتماعي، متجاهلين أن الدين الإسلامي يحث على العلم و الأخذ بالأسباب من أجل العلاج من الأسقام و العلل و الأمراض.
و في هذا الشأن لا ينبغي على الإنسان أن يستسلم و يترك الأسباب بحجة أن فيروس كورونا المستجد قدره، فقد صح عن الرسول الكريم (ص) أنه قال : » اعملوا فكل ميسر لما خلق له، فأما من أعطى واتقى و صدق بالحسنى فسنيسره لليسرى، و أما من بخل و استغنى و كذب بالحسنى فسنيسره للعسرى. »
Poster un Commentaire