دراسة ترصد معيقات ولوج المرأة إلى مناصب المسؤولية
دراسة ترصد معيقات ولوج المرأة إلى مناصب المسؤولية
أعدت وزارة إصلاح الإدارة و الوظيفية العمومية بشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة دراسة تهدف إلى الاستيعاب العميق للقضايا المتعلقة بوضعية المرأة في مناصب المسؤولية بالإدارة العمومية المغربية، وذلك في إطار تنزيل المقتضيات الدستورية ومواجهة تحديات التمثيل المتكافئ للرجال والنساء في الإدارة العمومية وتعزيز المكتسبات في هذا المجال.
وتهدف هذه الدراسة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف منها تجميع الإحصائيات والمعطيات المتعلقة بتمثيل المرأة في مناصب المسؤولية بالإدارة العمومية ؛ وكذا إجراء التحليلات المتعلقة بالحواجز والعوامل المسؤولة عن تدني حضور المرأة في مناصب المسؤولية علاوة على تحديد متطلبات التدابير المؤسساتية والآليات المناسبة لتعزيز وجود المرأة في مواقع صنع القرار بالإدارة العمومية.
معيقات تقلد المرأة لمناصب المسؤولية
وأظهرت الدراسة أن الواقع الحالي لا يزال مشوبا بمجموعة من المعيقات تحول دون ولوج المرأة إلى مناصب المسؤولية مؤكدة أن الترسانة القانونية الحالية لا تستجيب بما فيه الكفاية لمتطلبات تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في الولوج إلى مناصب المسؤولية في الإدارة العمومية ، الشيء الذي يدعو المشرع المغربي إلى إعادة النظر في هذه الترسانة بغية تجويدها وتحسينها.
ولفتت الدراسة إلى عدم كفاية الضمانات القانونية الحقيقية لتعزيز ولوج المرأة إلى مناصب المسؤولية ؛فضلا عن عدم وجود تدابير إيجابية لصالح المرأة في هيئات الحكامة وكذا الهيئات التمثيلية، وكذا ضعف تكييف أنظمة الصحة والسلامة ببعض الوظائف العمومية مع خصوصيات المرأة .
وأشارت الدراسة كذلك إلى عدم وجود أحكام لمكافحة التحرش ، بكل تجلياته، في الإدارة العمومية ؛ وغياب مقتضيات تنطوي على تدابير خاصة مؤقتة لصالح المرأة الموظفة. لافتة إلى أن الإطار قانوني غير مستجيب بما فيه الكفاية لأهمية التوفيق بين الحياة المهنية و الخاصة .
وأوضحت الدراسة ضعف الإدراك بالحاجيات الخاصة للموظف و الموظفات في نظام الحركة الانتقالية الجديد لموظفي الادارة العمومة فضلا عن وجود تفاوتات ، على مستوى الكتلة الأجرية، بين الرجال والنساء بسبب ، التمايز المهني في تقلد مناصب المسؤولية ، مشيرة إلى وجود تشريعات ضريبية غير مستجيبة لمعيار النوع الاجتماعي.
بلغة الأرقام، مكانة المرأة في الوظيفة العمومية
أكدت الدراسة أنه منذ اعتماده لدستور 2011 ، أحرز المغرب تقدما كبيرا في ما يتعلق بالمساواة بين الجنسين، لكن مع ذلك ، تبقى الإنجازات المحققة حتى الآن دون التطلعات و ما زال هناك طريق طويل يجب شقه في مجال المساواة بين المواطنات والمواطنين.
وحسب تقرير الفجوة بين الجنسي العالمي الصادر سنة 2017 عن المنتدى الاقتصادي العالمي، لا زال المغرب يقبع ضمن المراتب العشر الأخيرة منذ ما يقرب من عشر سنوات، باحتلاله الرتبة 139 من أصل 144 دولة.
وأشارت الدراسة إلى أنه إذا كانت نسبة تأنيث الادارة العمومية المغربية قد حققت في سنة 2016 نسبة 39.7 في المائة، فإن تمثيل المرأة بمناصب المسؤولية لا يتعدى 22 في المائة.
ولفتت الدراسة إلى أنه خلال الفترة مابين سنة 2014 و2016، سجل معدل تأنيث الوظيفة العمومية معدل تغير بلغ 0.2 في المائة » 39.3 في المائة سنة 2014 و39.5 في المائة في سنة 2015 و39.7 في المائة في سنة 2016″، مشيرة إلى أن الأمر نفسه ينطبق على تولي المرأة لمناصب المسؤولية التي عرفت « تطورا مستمرا »، حيث أن معدل التأنيث في الإدارة العمومية مر بين سنتي 2001 و2016 من 10 في المائة إلى 22.2 في المائة أي بنسبة 120 في المائة في غضون 15 عاما.
وأفادت الدراسة أن النساء يوجدن في مسالك الوظائف في أدنى مناصب المسؤولية « رئيس مصلحة » بنسبة 26 في المائة، فكلما صعدنا في التسلسل الهرمي الاداري كلما كان حضور الاناث أقل، إذ إن نسبة ولوج النساء إلى منصب رئيس قسم لا تتعدى 13 في المائة مقابل 15 في المائة على مستوى الوظائف العليا.
وسجلت الدراسة أن نسبة عالية من النساء المسؤولات تتموقع على مستوى المصالح المركزية بنسبة 31 في المائة مقابل 18 في المائة على مستوى المصالح غير الممركزة والتي تشكل 94 في المائة من الإدارة المغربية، معتبرة أن تأنيث المناصب غير متوازن بين مختلف القطاعات الإدارية، حيث تأتي وزارة التعمير وإعداد التراب الوطني في الرتبة الأولى من اجمالي عدد التعيينات بنسبة 18 في المائة تليها وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي بنسبة 13 في المائة متبوعة بوزارة التجارة الخارجية ب8 في المائة ثم وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات التي حققت نسبة 6 في المائة.
وذكرت الدراسة أن الاحصاءات، على المستوى المجالي أظهرت أن الرجال يمثلون 69 في المائة من جميع المناصب العليا على المستوى المركزي، في حين تمثل النساء 17 في المائة، فيما تسجل النساء نسبة 22 في المائة على مستوى رؤساء الأقسام، و37 في المائة على مستوى رؤساء المصالح، وهو معدل تعتبره الدراسة يتماشى مع المتوسط الوطني لتمثيل المرأة في المستويات العليا للإدارة.
وعلى مستوى المصالح الخارجية فتمثيل المرأة في مناصب المسؤولية لا يتعدى 18 في المائة من مجموع المناصب، مقابل نسبة عالية جدا من مناصب العليا ورؤساء الأقسام الذين يمثلون 88 في المائة و92 في المائة على التوالي من مناصب المسؤولية .
السقف الزجاجي يحد من وصول المرأة إلى مناصب المسؤولية
أفادت الدراسة أنه علاوة على التحليل الكمي والإحصائي، تم تحليل ظاهرة « السقف الزجاجي »، ويهدف هذا التحليل للغوص في تفسير الحواجز غير المرئية والمثقلة بأشكال التمييز بين الجنسيين والتي تعتبر إلى حد كبير مسؤولة عن الحد من قدرات المرأة للوصول إلى مناصب المسؤولية، على الرغم من أنها لديها المؤهلات المعيارية اللازمة لذلك.
وأشارت الدراسة إلى وجود ثلاث بواعث أساسية تحفز المرأة على تبوء مناصب المسؤولية داخل دواليب الإدارة العمومية، وهي تعزيز الكفاءة الشخصية وكذا إبراز المؤهلات المهنية والملكات المهارية وأيضا الرغبة في ممارسة السلطة الترابية، غير أن الدراسة أبرزت أن المناخ السوسيو ثقافي الذي يميز الوظيفة العمومية لا زال مثقلا بتمثلات نمطية تحمل في طياتها أشكال عديدة من التمييز بين الجنسين وترهن هذا المناخ في « ذكورية الوظيفة العمومية ».
ولفتت الدراسة إلى أنه رغم تبني المغرب لسياسة عمومية تهدف إلى الرقي بالمرأة على مستوى مناصب المسؤولية بدواليب الإدارة العمومية، إلا أن هذه السياسة الإرادوية ما تفتأ أن تضمحل أمام ثقل مظاهر « السقف الزجاجي » والمتجلية في حواجز سوسيو ثقافية وسلوكيات نمطية تجاوزها الزمن، غير أنها لا تزال قائمة، ومن شأنها أن تضعف حظوظ المرأة في الولوج إلى مناصب المسؤولية.
وحسب الدراسة تشير معظم النساء المستجوبات إلى أن هناك ترابطا مباشرا بين طبيعة العلاقة التي تربطهن برؤسائهن وبين مستوى كبح وصولهن إلى مناصب المسؤولية أو التطلع إليها، مشيرة إلى وجود عدة أشكال من التراتبية الإدارية منها تراتبية توجيهية أو تأطيرية وتراتبية محافظة بالإضافة إلى تراتبية تفضيلية لصالح الرجال، وهو ما يؤثر بشكل او بآخر على المسار المهني للمرأة الموظفة.
وركزت الدراسة على البعد القيادي لدى المرأة من أجل تأكيد أو دحض « اللمسة الأنثوية » لمنصب المسؤولية الذي تتقلده أو تتطلع إليه، وهو أمر ذو أهمية كبيرة تضيف الدراسة باعتبار أن مستوى التنمية الذاتية والمهارات الشخصية والقدرة على إدارة الخلافات والصراعات التي تنشأ داخل الجسم الإداري يعد عنصرا محددا لموقف المرأة « المهادن » أو « المعاند » لتدبير علاقاتها مع محيطها المهني كرئيسة أو مرؤوسة.
ومن اجل تعزيز وضع المرأة في مناصب المسؤولية سطرت الدراسة مجموعة من التوصيات.
توصيات
أوصت الدراسة بإعادة النظر في السياق القانوني المؤسساتي لتأنيث مواقع المسؤولية وكذا تبني تدابير من شانها أن تساعد على التوفيق بين الحياة المهنية والحياة الشخصية، علاوة على وضع وتعزيز اجراءات رصد وتتبع مجهودات تأنيث مواقع المسؤولية وأيضا معيرة إجراءات الحوافز والدعم للنساء وتعزيز القيادة النسائية.
ودعت الدراسة إلى دمج مسألة تأنيث مناصب المسؤولية في الوظيفة العمومية سواء في مشروع النجاعة السنوي للوزارة الذي يأخذ بعين الاعتبار النوع الإجتماعي « المادة 38 من القانون التنظيمي للمالية » وكذا التقرير الخاص بالموارد البشرية.
وحثت الدراسة على تعزيز نماذج « النجاح » النسائية وإبراز المرأة في مناصب المسؤولية لتحفيز النساء الأخريات في الوظيفة العمومية. وكذا منح الفرصة للمرأة لاختيار ذاتها في مسالك المسؤولية وتنظيم نهج التوجيه الممنهج لدعم النساء المؤهلات لشغل مناصب المسؤلية علاوة على مأسسة الدعم الإداري للنساء من خلال تأطيرهن من طرف المسؤولين ومتابعتهن ومواكبتهن لتجويد مسارهن وتثمين ادائهن.
وحرصت الدراسة على ضرورة تطوير المهارات الذاتية للنساء من خلال تنظيم دورات تكوينية بغية دعم النساء لاستيعاب مناخ تولي المسؤولية بشكل أفضل، وكذا تشجيع النساء على الاندماج في الشبكات الإدارية المشتركة بين النساء وتوسيع دائرة النقاش الجماعي والمؤسساتي حول مكانة المرأة في الوظيفة العمومية وخاصة في مناصب المسؤولية.
وأوصت الدراسة بإشراك وسائل الإعلام في التوعية والتصدي للخلفيات والسلوكيات النمطية المثقلة بأشكال التمييز داخل الإدارة، وإشراك المجتمع المدني في تفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالمساواة بين الرجل والمرأة.
ودعت الدراسة إلى تسليط الضوء على « قصص النجاح » بقضايا القيادات النسائية في الإدارة والعمل على نشرها للاستفادة منها.
Poster un Commentaire