رمضان و « الأربعين يوما » : بين الشرع و العلم
رمضان و « الأربعين يوما » : بين الشرع و العلم
تتفشى في المجتمع المغربي جملة من العادات و المعتقدات التي يصفها الكثيرون بأنها غريبة و مخالفة للعقل و المنطق و لا سند لها، و لعل من أهمها، تلك المتعلقة، بالتوقف عن احتساء المشروبات الكحولية أربعين يوما قبل شهر رمضان.
و في كل سنة، و مع دنو شهر رمضان، يتداول كثير من محتسي المشروبات الكحولية عبارة « الربعين دخلات »، التي تمثل ناقوس خطر لهؤلاء بضرورة التوقف عن معاقرة الخمور لمدة 40 يوما قبل رمضان.
و يعلل أصحاب هذا الاعتقاد بأن تأثير الكحول يظل في جسم و دم الإنسان لمدة 40 يوما، و لذلك و لكي يكون صيامهم مقبولا بات لازاما عليهم أن يكون جسمهم خاليا من أي مبطلات الصيام، الأمر الذي يسائل السند الشرعي والعلمي الذي استند عليه أصحاب هذه العادة.
موقف الشرع : عادة لا سند شرعي لها
و في هذا الشأن قال محمد جناح، عضو المجلس العلمي المحلي لأنفا بالدار البيضاء، في تصريحات سابقة لموقع « مواطن »، إن « الامتناع عن شرب الخمر 40 قبل حلول شهر رمضان »، ما هو إلا عادة تعد ضربا من العبث ».
و أوضح محمد جناح، وفق المصدر ذاته، أن هذه العادة ليس لها أي سند شرعي لا في كتاب الله و لا في سنة رسوله و لا حتى في أقوال العلماء.
و أضاف الواعظ الديني، حسب نفس المصدر، أن الحديث عن « عادة اجتناب الخمر 40 يوما قبل موعد رمضان » بأن لها سند تاريخي، ما هو إلا كلام كاذب، بل تعود فقط لموروث شعبي تم الترويج له و تداوله بين الناس، و لا يستند لأي مرجع ديني أو علمي.
و في هذا السياق يقول الباحث في الشأن الديني محمد عبد الوهاب رفيقي، في تصريحات سابقة لموقع » تيل كيل »: « لا علاقة لهذا بالاسلام، لسبب بسيط، هو أنه لا توجد أي آية قرآنية أو حديث صحيح في هذا الموضوع ».
و أردف رفيقي، أن « هذا الاختراع الثقافي، يمكن تفسيره بحديث هو نفسه ضعيف، و الذي لا يتكلم على الصيام أساسا؛ ما مضمونه أن شارب الخمر لا يقبل الله له عمل أربعين يوما ». استنادا على هذا النص، وفق المتحدث، « اعتبر البعض أن الأمر متعلق بالصيام أيضا، و لا يجب الشرب في تلك المدة، لكن الحديث ضعيف بإجماع الفقهاء ».
تحايل في تدبير العلاقة بين الدين و التقاليد
و بدورها قالت الكاتبة و الصحافية سناء العاجي، في مقال رأي سابق تحت عنوان : « رمضان و الأربعون يوما »، إنه من الناحية الدينية أيضا، فإن الأمر عبثي و لا يتجاوز التحايل الذي يجيده كثير من مواطني بلداننا في تدبير علاقتهم بالدين و بالتقاليد ».
و تابعت قائلة : « لنقلها إذن بكل البساطة الممكنة و بكل الوضوح اللازم : إن مجرد القبول بهذا المبدأ (أي بكون عدم شرب الكحول لمدة أربعين يوما قبل رمضان هو أمر شرعي يمكن المسلم من صيام رمضان من دون بقايا كحول في دمه) يعني ببساطة أن استهلاكه ممكن شرعا خلال باقي أيام السنة. فهل هذا هو المغزى من الأربعينية التي نتحدث عنها؟ ».
و أردفت العاجي أن « هناك مدارس فقهية تعتبر بأن تحريم استهلاك المواد الكحولية هو أمر لم يرد في القرآن بشكل صريح ».
و زادت بالقول : « ربما يكون من المفيد أيضا أن نشير إلى أن هناك مدارس فقهية تعتبر أن تحريم استهلاك المواد الكحولية هو أمر لم يرد في القرآن بشكل صريح، و إلى كون الأخير يدعو لاجتنابه فقط، من دون تحريم قطعي.
و أضافت « لكن، لندع هذا الاختلاف جانبا و لنعتمد على القراءة الفقهية الشائعة في معظم بلدان المنطقة، و منها المغرب الذي يعتمد على القراءة المالكية التي تعتبر استهلاك الكحول حراما بشكل قطعي. من هذا المنطلق، فإن الحديث عن الانقطاع عن استهلاكه أربعين يوما قبل رمضان هو تحايل ساذج يعني ضمنيا أن استهلاكه في باقي أيام السنة لا يطرح أي إشكال ديني ».
موقف العلم : مبررات مغلوطة
يستند أصحاب عادة التوقف عن معاقرة الخمر قبل 40 من حلول شهر رمضان، بأن تأثير الكحول يظل في جسم ودم الإنسان لمدة 40 يوما، و لذلك و لكي يكون صيامهم مقبولا بات لازاما عليهم أن يكون جسمهم خاليا من أي مبطلات الصيام، و هو مبرر خاطئ و طرح مغلوط، حسب المختصين.
و في هذا الشأن يشير أطباء مختصون في التحليلات الطبية إلى أن الخمر لا يحتاج إلى هذه المدة ليزول من دم الإنسان.
و حسب دراسة أنجزت سنة 2004 من طرف المعهد السويسري للوقاية من الكحول و باقي أنواع الإدمان، فإن الجسم يتخلص من 0.10 إلى 0,15 غرام من الكحول في الدم كل ساعة، وفق تقارير إعلامية.
و أضافت المصادر أن الأمر نفسه يؤكده أحد الأطباء المختصين، و يقول إن « الكحول يختفي من الجسم بعد 10 ساعات من شربه، و يختفي أثره كليا من الجسم بعد 24 ساعة كأقصى تقدير ».
و وفق مختصين في التحليلات الطبية فإن اختفاء الكحول من الدم يحتاج فقط ما بين 5 إلى 7 ساعات لتتم تصفيته من الدم، و حتى و لو شرب الشخص كمية جد كبيرة منه، فلن تتجاوز مدة تصفية الدم منه 24 ساعة كأقصى تقدير، و بالتالي لا يمكنه أن يظل في جسم الانسان 40 يوما. و بالتالي لا أساس ديني أو علمي، يبرر هذه العادة التي تستشري في المجتمع المغربي.
Poster un Commentaire