صلاة الترويح بين السنة النبوية و البدعة المحدثة
صلاة الترويح بين السنة النبوية و البدعة المحدثة
دأب المغاربة كل سنة خلال شهر رمضان على إقامة صلاة التراويح جماعات بالمساجد، التي تمتلئ عن آخرها بالمصلين بل تمتد صفوف المصلين على جنبات المساجد لتشمل الساحات و الشوارع و الأزقة المتاخمة لها، بيد أن هذه المشاهد غابت هذه السنة عن المملكة، بعدما أمرت السلطات بمنع التجمعات الدينية و إغلاق المساجد درء لتفشي فيروس كورونا و من باب الحفاظ على النفس.
و في غمرة هذه الأجواء التي وسمت شهر رمضان في زمن كورنا، طفى على السطح مؤخرا نقاش قديم جديد لطالما كان مثار جدل واسع، و يتعلق الأمر بالحكم الشرعي لصلاة التراويح، حيث تختلف الروايات و التفسيرات بين من يعتقد أن صلاة التراويح سنة نبوية و عبادة عظيمة، و بين من يرى أنها ليست فريضة و لا سنة بل مجرد بدعة ابتدعها عمر بن الخطاب. و معلوم أن البدعة في الشرع تطلق على مقابل السنة و هي الإحداث في الدين ما ليس منه.
أبو حفص : صلاة التراويح بدعة
و في هذا السياق قال الباحث في الشأن الديني عبد الوهاب رفيقي المعروف بأبي حفص « إن صلاة التراويح ليست فريضة و لا سنة و لا تعرف في العهد النبوي و لم يجمع النبي صل الله عليه و سلم الناس عليها، و إنما هي بدعة ابتدعها عمر بن الخطاب، عندما رأى الناس يصلونا متفرقين فرأى أنه من الأفضل أن يجمع الناس على إمام واحد »، معتبرا أن عمر بن الخطاب قال بنفسه « نعمت البدعة هي ».
و في هذا الصدد استدل أبو حفص في تدوينة نشرها على صفحته بموقع فيسبوك بتاريخ 22 أبريل 2020، على حديث من صحيح البخاري، جاء فيه : « عن أبي شهاب بن عروة بن الزبير عن عبد الرحمان بن عبد القاري أنه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه و يصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخرى و الناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر: نعم البدعة هذه و التي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يريد آخر الليل و كان الناس يقومون أوله ».
و اعتبر الباحث في الشأن الديني أن العلماء استحسنوا هذه البدعة و تحولت لتقليد رمضاني في كل دول العالم الإسلامي و طقسا ملازما لشهر رمضان، مشددا على أن الفقهاء استحسنوها لأنه ليس لديهم أي مشكل مع البدعة إن كانت حسنة.
و أردف قائلا : « الغريب هو أن بعض الناس الذين يزعجوننا بأن كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار، و أنه لا بدعة حسنة في الإسلام ، و مع ذلك يحرصون على أداء صلاة التراويح عند الإمام الفلاني أو المقرئ الفلاني ».
و أشار الباحث في الشأن الديني إلى أن الناس أحرار في إقامة صلاة التراويح التي وصفها بالبدعة الحسنة، كيفما أرادوا فرادى أو جماعات في البيت مع احترام التباعد الاجتماعي.
و خلص رفيقي إلى أن هذا التشدد عموما في مناقشة تفاصيل أداء العبادات ينبغي تجاوزه، معتبرا أن المقصد هو حصول الراحة و الاطمئنان لدى الشخص بما يفعله، و ليس المحافظة على شكليات و رسوم معينة.
و خلف رأي محمد عبد الوهاب رفيقي حول صلاة التراويح جدلا و ردود فعل مخالفة، حيث رد الباحث في الشؤون الدينية فؤاد الشمالي على رفيقي، قائلا: « إن عمر بن الخطاب لم يخترع صلاة التراويح و إنما حسن أداءها بجعلها على إمام واحد بدل أئمة متفرقين ».
الشمالي : صلاة التراويح سنة نبوية
و في رده على رأي عبد الوهاب رفيقي، قال الباحث في الشؤون الدينية فؤاد الشمالي، إن عمر بن الخطاب لم يحدث صلاة التراويح في رمضان من نفسه، بل وجد الصحابة يصلونها فرادى و جماعات في المسجد، موردا نفس الحديث الذي استند عليه أبو حفص، و الذي مفاده أن عبد الرحمان بن القاري قال : « خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه و يصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ».
و أضاف الشمالي في مقال نشره عبر صفحته بموقع فيسبوك » أن الصحابة لم يبتدعوا صلاة التراويح من عند أنفسهم بل قلدوا فيها قدوتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم « .
و استدل في هذا السياق بحديث ورد في صحيح البخاري، جاء فيه: « عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله (ص) صلى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله (ص)، فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم و لم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم و ذلك في رمضان »، مضيفا أن الصحابة كانوا يصلونها خلف إمام واحد و هو الرسول (ص) و هو ما أعاد عمر بن الخطاب الناس إليه. وفق تعبيره.
و أورد الخطيب و الباحث في الرقية الشرعية في مقاله أن علماء أصول الفقه، عرفوا السنة بأنها أقوال النبي صلى الله عليه و سلم، و أفعاله، و تقريراته، التي يستدل بها على الأحكام الشرعية، مؤكدا أن كل ما ورد عن النبي (ص) من فعل أو قول أو تقرير يعتبر سنة نبوية.
و في هذا الشأن أبرز الشمالي أن صلاة التراويح سنة فعلية و تقريرية و قولية كذلك، موضحا بأنها « فعلية لأن النبي (ص) صلاها في المسجد و ليس في بيته، و صلاها إماما فأئتم الناس به لثلاثة أيام مما يعني مشروعية صلاة التهجد جماعة في رمضان »، و أضاف أنها تقريرية « لأنه عليه الصلاة و السلام لم ينكر عليهم صلاتهم الجماعية خلفه، و لا يجوز للنبي تأخير البيان عن وقت الحاجة كما هو معلوم ».
و اعتبر نفس المتحدث أن صلاة التراويح سنة قولية لأن النبي (ص) صرح بلسانه أنه لم يمنعه من الخروج إليهم في الليلة الرابعة إلا خوفه أن تفرض عليهم، كما جاء في الحديث سالف الذكر، و ليس لأنها مخالفة للشرع، معتبرا أنه إذا كانت مخالفة لهديه عليه السلام لما تردد (ص) في نهيهم عن تكرارها.
و سجل الباحث في الشؤون الدينية أن إجماع الصحابة على صلاة التراويح يعتبر مصدرا من مصادر التشريع و هو الذي يسميه المالكية بعمل أهل المدينة، مؤكدا أن الصحابة لم يقوموا بصلاة التراويح جميعا و بدون اعتراض من أحدهم إلا لأن لديهم أدلة لا نعلمها و لأن فهمهم لتوجيه النبي صل الله عليه و سلم قادهم إلى ذلك.
و زاد قائلا : إذا سلمنا جدلا أن عمر بن الخطاب قد قال بأن هناك بدعة حسنة في الدين، و حاشاه، و خالف حديث النبي (ص) الذي يقول : ( كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار)، فإننا نقدم كلامه عليه السلام و نضرب كلام عمر عرض الحائط بلا شك و ريب. لقوله تعالى : ( فلا ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما). و لقوله تعالى : (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).
و في زمن كورونا و في ظل الجدل القائم حول بين من يعتبر أن صلاة التراويح سنة نبوية و عبادة عظيمة و بين من يرى أنها ليست فريضة و لا سنة بل هي بدعة محدثة، تظل الحقيقة الواحدة المتجسدة لحد الآن أن المساجد مغلقة و كل الصلوات متوقفة بالمساجد إلى أجل غير معلوم، و ذلك اتقاء لتفشي الوباء و حفاظا على الأنفس.
و في هذا الصدد اعتبر المجلس العلمي الأعلى أن عدم الخروج إلى صلوات التراويح قد يعوضه إقامتها في المنازل فرادى أو جماعة مع الأهل الذين لا تخشى عواقب الاختلاط بهم، مضيفا أنه معلوم شرعا أن الجماعة في الصلاة ما زاد على واحد.
و أكد المجلس في بيان، بخصوص شهر رمضان، أن الحفاظ على الحياة من جميع المهالك مقدم شرعا على ما عداه من الأعمال، بما فيها الاجتماع للنوافل و سنن العبادات.
Poster un Commentaire