كيف سيكون شكل العالم ما بعد جائحة كورونا؟
كيف سيكون شكل العالم ما بعد جائحة كورونا؟
في وقت تشتد فيه المنافسة بين عدد من دول العالم من أجل ضمان حصتها من جرعات اللقاح المضاد لكورونا، قصد تحقيق مناعة لمواطنيها تحصنهم من خطر الوباء و بالتالي العودة إلى حياتهم الطبيعية، يتساءل الكثيرون عن كيف سيكون شكل العالم سياسيا و اقتصاديا بعد جائحة كورونا.
و في هذا الصدد، اعتبر مفكرون غربيون أن العالم سيشهد نهاية العولمة بشكلها الحالي و ظهور أخرى جديدة مركزها الصين، و صعود الحركات القومية، و كذا ظهور رأسمالية جديدة.
و في هذا الشأن قامت مجلة « فورين بوليسي الأمريكية »، في مارس من السنة الماضية بتوجيه سؤال كيف سيكون شكل العالم « ما بعد » نهاية كورونا؟ إلى 12 باحثا و مُفكرا و منظرا عالميا من مختلف المدارس الفكرية، خاصة العلاقات الدولية الذين تغلب عليهم الثقافة الأمريكية (الأنجلوساكسونية).
نهاية العولمة بشكلها الحالي
و في جوابه على سؤال مجلة فورين بوليسي، يقول روبن نيبلت، مدير مركز « تشاثم هاوس للأبحاث » : « إن وباء كورونا سيكون سببا في نهاية العولمة بشكلها الحالي خاصة و أنه يأتي بعد توتر تجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية و الصين و مطالبات نشطاء البيئة بخفض انبعاثات الكربون و هو ما سيدفع الحكومات إلى إعادة النظر في الاعتماد على خطوط الإمداد بعيدة المدى.
و اعتبر نيبلت أن أزمة كورونا، ستدفع الحكومات و الشركات و المجتمعات إلى التكيف على فترات طويلة من الاكتفاء الداخلي و العزلة الاقتصادية.
و وفق تقارير إعلامية، فقد أثارت القوة الاقتصادية و العسكرية المتنامية للصين بالفعل عزماً في الولايات المتحدة الأمريكية على فصل الصين عن التكنولوجيا العالية و الملكية الفكرية أمريكية المصدر، و محاولة إجبار حلفاء أمريكا على أن تحذو حذوها.
و أضافت المصادر، أنه بدون حافز لحماية المكاسب المشتركة من التكامل الاقتصادي العالمي، فإن البنية الاقتصادية العالمية التي تم إنشاؤها في القرن العشرين ستتدهور بسرعة.
الصين المركز الجديد للعولمة بدل أمريكا
و حسب موقع « أورو نيوز » فإن كيشور محبوباني، البروفيسور و عميد كلية لي كوان يو للسياسة العامة التابعة لجامعة سنغافورة الوطنية، يرى أن العولمة ستنتقل من مركزها الحالي بالولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين كمركز جديد لها.
و بدأ هذا التغيير بالفعل قبل ظهور فيروس كورونا و ذلك بعد فقدان الأمريكيين الثقة بالعولمة في وقت ازدات فيه ثقة الصينيين بها.
و ثبت الصينيون انفتاحهم الاقتصادي على العالم خلال السنوات الماضية و صارت لديهم الثقة بقدرتهم على المنافسة في أي بقعة من بقاع العالم.
تغيير في شكل العلاقات الدولية
و بدوره يقول اشيفشانكر مينون، باحث و مستشار سابق لرئيس الوزراء الهندي، في جوابه على سؤال مجلة « فورين بوليسي الأمريكية »، إن وباء كورونا سيغير شكل العلاقات السياسية بين الدول و داخلها.
و أضاف المتحدث « أنه ستزداد سطوة الحكومات و سيقل التحرر و لكن هذا لا يعني أن الشمولية ستسود فدول مثل كوريا الجنوبية و سنغافورة نجحت إلى حد بعيد في احتواء الأزمة و هي أنظمة ديمقراطية و ليست ديكتاتورية. لكن في جميع الأحوال ستتجه الدول إلى الانغلاق و الرغبة في التمحور داخلياً و سيؤدي هذا إلى عالم أفقر وأقل كرماً ».
رأسمالية جديدة
في هذا الشأن، تقول لوري غاريت، كاتبة علمية حائزة على جائزة بوليتزر : « سيؤدي الفيروس إلى خلق مرحلة جديدة من الرأسمالية العالمية ستخشى فيها الشركات والحكومات من نظم التجارة الحالية العابرة للحدود وخاصة بعدما اظهر الفيروس أن هذا الانفتاح الكبير قد يجلب معه أمراضاً مميتة في غضون أيام و ساعات ».
و اعتبرت الكاتبة أنه قد تسعى تلك الشركات و الحكومات بعد الخسائر التي تتكبدها حالياً و مستقبلاً بسبب الفيروس، إلى الانطواء داخلياً و تتبع نهجا يقضي بالاعتماد على الإنتاج و التوزيع و الربح الداخلي كوسيلة أكثر أماناً من الانفتاح العالمي الهش.
صعود الحركات القومية
يقول ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفرد، حسب موقع « أورو نيوز »، « إن الوباء سيدعم صعود الحركات القومية و يدعم سلطة الحكومات و قبضتها على مقاليد الأمور. و ستتبنى الحكومات بمختلف اتجاهاتها إجراءات طارئة في محاولة لاحتواء انتشار الفيروس و لن يتخلوا عن تلك السلطات بسهولة فور انتهاء الأزمة ».
و سيؤدي الفيروس، وفق المصدر ذاته، إلى سرعة انتقال ميزان القوى العالمية من الغرب إلى الشرق و إلى دول استطاعت تدارك الأزمة بشكل سريع نسبياً ككوريا الجنوبية و سنغافورة و الصين في وقت تباطأت فيه الحكومات الغربية الأوروبية و دخلت في طرق عشوائية لاحتواء الأزمة و هو ما سيؤدي في النهاية إلى زوال عصر سطوة العلامة التجارية الغربية.
صعود القومية و النظام السلطوي حتى في الدول الديموقراطية
من جهته، يقول جون إكينبري، أستاذ السياسة بجامعة برينستون في جوابه للمجلة الأمريكية : « إن الوباء سيؤدي إلى صعود القومية و السلطوية حتى بين أكثر الأنظمة ديمقراطية في العالم و لكنه سيكون صعوداً مؤقتاً مثل ما حدث خلال الثلاثينيات و الأربعينيات من القرن الماضي قبل أن تصل تلك الدول إلى الديمقراطيات الحقيقية التي سادت بها لعقود طويلة ».
و تابع المصدر ذاته، « أي أن ما سيحدث هو إكتشاف تلك الدول لدميقراطياتها الحقيقية عبر فترة انتقالية من السلطوية ».
Poster un Commentaire